الدرس الثامن

من آداب الصيام

الحمد لله الذي هدى المؤمنين بفضله ورحمته، وأضل الآخرين بعدله وحكمته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد صفوته من خلقه، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أخي المسلم: ابتدأنا في الدرس السابق الحديث عن أهم ما ينبغي للصائم أن يتجنبه، وهو جميع ما حرمه الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم  من الأقوال والأفعال، وتحدثنا بشيء من التفصيل عن ذلك المرض الذي ابتلي به كثير من المسلمين اليوم وعمرت به مجالسهم ليقضوا بذلك فراغهم، وعرفنا النصوص الواردة في التحذير منه، وخطر هذا الأمر في الدنيا والآخرة.

وفي هذا الدرس نستعرض بعض الأمور الأخرى مما يجب أن يتجنبه المسلم وبخاصة في رمضان، ومنها: النميمة، والتي هي قرينة الغيبة وأختها في الفساد والإفساد، بل هي أشد مرضاً وأعظم خطرا من الغيبة؛ إذ هي: نقل كلام شخص في شخص آخر ليفسد بينهما، مثل أن يأتي شخص فيقول: إن فلان قال فيك كذا وكذا، ويرجع للآخر ويقول له مثل ما قال في الأول، ولا يقتصر الأمر على هذه الصورة فحسب، وإنما كلما أدّى إلى الإفساد بين الناس فهو داخل في ذلك، وعلى هذا فهي من كبائر الذنوب وأعظمها خطورة وضررا؛ لأنها باعثة للفتن، قاطعة للصلة، زارعة للحقد، مفرقة للأسر والجماعات، تجعل الأصدقاء أعداء، والإخوة أجانب، والزوجين متنافرين، والمحبة عداوة، والألفة نفرة.

والأمر هذا شأنه ورد الوعيد الشديد فيه، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم  مر بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير- أي: في أمر شاق عليهما- أما أحدهما فكان لا يستنـزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة».

فهي إذا مصدر لعذاب القبر ووسيلة إلى عذاب الآخرة، وهو أشد وأنكى، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «لا يدخل الجنة نمام».

أخي الكريم: هل ترضى لنفسك أن تكون مبغوضا في الدنيا، ومعذبا في القبر، وبعد القبر؟

لا شك أن المسلم لا يرضى بهذا المرض الخطير، ولكن للأسف نجد بعض المسلمين هداهم الله وظفوا أنفسهم لنقل الأخبار والزيادة عليها وإشاعتها وترويجها حتى أصبحت سمة معروفة فيهم، وهذا أمر منذر بخطر مع الفرد والمجتمع، فهي صفة في غاية الدناءة والخسة، تفرق بين الزوجين، وتبعد بين الأخوين، وتنشر الفساد والإفساد والحقد بين المسلمين.

أخي المسلم: أمر هذا شأنه حري بك أن تبتعد عنه، ومن ابتلي به فليسرع إلى التوبة منه قبل أن يندم ولات ساعة مندم وبخاصة ونحن في هذا الشهر الكريم، وفي ضيافة رب العالمين، فهو يقبل التوبة عن المسيء ويعفوا عن كثير.

*   *   *

إخواني وأخواتي: من الأمور التي يتأكد الابتعاد عنها في هذا الشهر الكريم: كثرة الكلام فيما لا يفيد، ومنه: الإخبار بخلاف الواقع، وهو الآخر من كبائر الذنوب، وأرذل الرذائل، به يتصدع بنيان المجتمع، وبه تنتشر الرذيلة، وتنعم الفضيلة، ويسقط صاحبه من عيون الناس، فلا يصدق في قول، ولا يوثق في عمل، ولا يرغب له مجلس، وأحاديثه عند الناس متروكة، وشهادته مردودة، تلك هي ثمرة الإخبار بخلاف الواقع، وهو الكذب، وأعظم الكذب هو الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم  كأن ينسب إلى الله تعالى تحريم حلال أو تحليل حرام بدون علم.

وقد توعد الله تعالى من تجرأ على ذلك بالوعيد الشديد، يقول سبحانه وتعالى: [ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ] [النحل:116]، وجاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»،  متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار».

وإن من أعظم أنوع الكذب وأشدها خطرا ما كان متعلقا بأموال الناس وأعراضهم، وأنفسهم، فهذا من أقبح الجرائم، وأكبر الكبائر التي تضر بالمجتمع، وتقضي على العدل، وتشيع البغضاء.

وهذا الكاذب قد عرَّض نفسه لغضب الله عز وجل، وكان سببا في انتشار الفوضى وإغراء المجرمين على ارتكاب الجرائم في أموال الناس وأعراضهم، وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم  هذا الفعل قرينا للشرك بالله وعقوق الوالدين كما جاء في الحديث الصحيح: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الشرك بالله وعقوق الوالدين»، وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور»، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.

فلعظم هذا الأمر يغير الرسول صلى الله عليه وسلم  جلسته، ويردد التحذير من قول الزور، ويتمنى الصحابة ألو سكت الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ إشفاقا عليه من شدة ما رأوا.

أخي المسلم: وقول الزور شامل للشهادة بالباطل، والتقول على الرسول صلى الله عليه وسلم  بدون علم، ورمي الأبرياء بما ليس فيهم، ويزداد هذا الأمر شناعة وبغيا في هذا الشهر المبارك، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

قال جابر رضي الله تعالى عنه: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والإثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء).

أسأل الله جل وعلا أن يعصمنا من الزلل، وأن يحفظ علينا ديننا، وأن يتقبل منا صيامنا، إنه سميع قريب.



بحث عن بحث