الدرس الثالث عشر

الإفطار  والسحور

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على منهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أما بعد..

فما زلنا نواصل الحديث عن أحكام رمضان، والصيام وآدابهما، وفي هذا الدرس نستعرض  بعض الأعمال التي ينبغي للصائم أن يحرص عليها ويقوم بها، ومنها: السحور، وهو الأكل في آخر الليل قبل طلوع الفجر، وهو سنة مؤكدة ينبغي ألا تفوت المسلم؛ لم ا روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «تسحروا فإن في السحور بركة».

وروى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور».

وأخرج الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «السحور كله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين».

وليأكل المسلم ما شاء من الطيبات في السحور، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم  أثنى على التمر، فقد روى أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم سحور المؤمن التمر». وينبغي أن نلحظ في هذه السنة ما يأتي:

1- أن يصحب الصائم نية صيامه، وأن يقصد بذلك امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم  والاقتداء بفعله ليكون سحوره عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، وبالتالي ينال الأجر والثواب.

2- أنه يستحب تأخير السحور إلا إذا خشي طلوع الفجر، وذلك لما روى البخاري ومسلم رضي الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: « لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور».

وروى الشيخان أيضا عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم  ثم قام إلى الصلاة.

قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية. والحكمة في ذلك- والله أعلم- لأن السحور يراد به التقوي على الصوم، التأخر أبلغ في ذلك وأولى.

3- ما يفعله كثير من الناس من الأكل في وسط الليل، وإذا قرب الفجر ناموا، فليعلموا أنهم بذلك قد ارتكبوا خطئاً بينا، وذلك أنهم خالفوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكثير منهم يتكاسل عن صلاة الفجر جماعة، أو يؤخرها عن وقتها، وهذا كله من تزيين الشيطان على المسلم في عبادته ليفسده عليها.

أيها المسلم الكريم: ومن أحكام الصيام: تعجيل الفطر متى ما تحقق غروب الشمس، للحديث السابق ذكره، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر».

ولما روى أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله عز وجل: إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا».

وينبغي أن نلحظ في هذه السنة ما يلي:

1- إن من المستحب أن يكون فطره على رطب، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد فماء، وذلك لم ا روى أحمد وأصحاب السنن عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمر، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء.

وأخرج مسلم وغيره عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فإن لم يجد تمرا فالماء، فإنه طهور».

2- ينبغي للصائم ألا يكثر من الطعام والشراب في الفطر؛ لأن ذلك مما يؤذيه وقد يفوت عليه صلاة المغرب جماعة في المسجد، وهذا قد أراد اللسنة وفوت الواجب.

ولكنه يفطر بتمرات قليلة ليدرك الصلاة، وذلك أفضل له لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم  من حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يصلي حتى يفطر ولو شربة ماء.

3- ينبغي للصائم أم يكثر من الدعاء عند فطره، وذلك لأن للصائم دعوة عند فطره لا ترد، ويدعو بما شاء. قال عليه الصلاة والسلام: «إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد».

 وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم  بعض الأدعية، منها: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت».

ومنها: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله».

4- ولعل من المناسب ذكره في هذا المقام أن يجتهد في مطعمه ومشربه بأن يكون حلالا، والحذر كل الحذر أن يكون حراما، فإن أكل الحرام من مواضع قبول الدعاء.

روى الإمام مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: [ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ]   [المؤمنون:51] وقال: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ][البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء ويقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟».

5- ومن الأمور المستحبة في أيام رمضان: أن يتذكر العبد أثناء إفطاره نعمة الله عليه بتوفيقه على إتمام صيام يومه، فيشكر الله على ذلك، فكم من إنسان تحت التراب يتمنى أن يصوم يوما أو يصلي فرضا أو يقرأ آية أو يستغفر عن ذنب، وأنت أيها الصائم لا زالت الفرصة أمامك مفتوحة.

أسأل الله تعالى أن يجمل بواطننا بالإخلاص له، وحسن العمل بمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتأدب بآدابه، إنه قريب مجيب.



بحث عن بحث