الدرس الرابع عشر

أحكام وآداب التراويح وقيام رمضان

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأصلي وأسلم على نبينا وآله وأصحابه وأتباعه وأعوانه، أما بعد:

فمن خصائص رمضان المبارك: صلاة التراويح التي هي جزء من صلاة الليل التي ورد في فضلها الآيات والأحاديث النبوية الكثيرة نعرض بعض أحكامها وآدابها في هذا الدرس.

أخي المسلم: صلاة الليل لها فضلها العظيم وأجرها الجزيل، وهي من أفضل النوافل وقد امتدح الله جل وعلا الذين يقومون في الليل ليؤدوا ركعات خاشعات لله عز وجل في آيات كثيرة، يقول جل وعلا في صفة المؤمنين: [ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ][السجدة:16]، وروى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»ولم يكن صلى الله عليه وسلم  يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلّى في النهار اثنتي عشرة ركعة صلى الله عليه وسلم .

وصلاة الليل في رمضان لها ميزة وفضيلة على غيرها، فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه  أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما بقدم من ذنبه» فذكر عليه الصلاة والسلام هنا شرطان أساسيان لقبول القيام هما:

1-أن يكون القيام إيمانا بالله، وبما أعده من الثواب للقائمين.

2-أن يكون احتسابا طلبا للأجر والثواب من غير رياء أو سمعة أو طلب أي أمر من أمور الدنيا.

وصلاة التراويح – أخي المسلم – من قيام رمضان، وهي سنة مؤكدة، ويتأكد ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم  لها لما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم  صلّى في المسجد، فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى الثانية فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح قال: «رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم»تقول عائشة: (وذلك في رمضان).

وصلاة التراويح جماعة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم  صلاها في بداية الأمر كذلك كما سبق في الحديث المتقدم، ولكنه ترك ذلك خشية أن تفرض على أمته صلى الله عليه وسلم .

وهكذا كان فعل السلف رضي الله عنهم يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: كان علي وجابر وعبد الله رضي الله عنهم يصلون جماعة، وعن عبد الرحمن بن القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه  في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، ويصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب.

ولو صلاها منفردا فلا بأس بذلك بل قال بعض أهل العلم: إن كان قارئا للقرآن ولا تتأثر الجماعة بتخلفه، ولا يخاف الكسل عنها فالأفضل لمثل هذا أن يصليها منفردا، ولكن في مثل هذا الوقت ينبغي أَنْ يواظب عليها كل مسلم جماعة لما في ذلك من إحياء هذه الشعيرة، والغالب على الإنسان أنه يتطرق إليه الكسل والفتور إذا كان منفردا . أما عدد ركعاتها فتكلم أهل العلم في ذلك كثيرا بناء على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  في صلاته في الليل وما ورد عن السلف في ذلك فمن قال إنها إحدى وأربعون ركعة، ومن قائل إنها إحدى عشرة ركعة، ولعل هذا القول أرجحها لما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم  في رمضان، فقالت : «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة».

ولكن إن صلى المسلم أكثر من ذلك ففضل الله واسع وجوده عظيم وعطاؤه لا ينفذ، ومما ينبغي أن يعلم هنا أن السلف رضوان الله عليهم كانوا يطيلون الصلاة جدا حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، ولكن الملاحظ على بعض من أئمة المساجد أنهم يسرعون فيها سرعة تخل بطمأنينتها وواجباتها فضلا عن مستحباتها، وكأنها حمل ثقيل يريدون التخلص منه، فينقرونه نقر الغراب، وهمهم الوحيد قراءة عدد معين من الآيات لما يمكن لختم القرآن في يوم معين من الشهر، وهذا خلاف السنة تماما، بل الواجب التأني فيها وإتمام أركانها وواجباتها وفعل ما يستطيع من المستحبات.

ومما يلاحظ أن بعض المسلمين يبحث عن الإمام الذي يسرع في صلاته وما علم أنه يخل بها، وقد قال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته لما أخل بالطمأنينة فيها: «ارجـع فصل فإنك لم تصل».

أخي المسلم الكريم: هذا الشهر الكريم ما هو إلا ليال معدود، وأوقات قليلة فالمؤمن العاقل هو الذي يستثمرها قبل فوات الأوان قبل أن يندم ولات ساعة مندم، فكثير من المسلمين هداهم الله لا يبالون في هذه الصلوات ولا يقيمون لها وزنا، وكان الأمر لا يعنيهم وهؤلاء قد أخطؤوا على أنفسهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، كما ينبغي على المرأة المسلمة أن تصلي هذه الصلوات في بيتها أو في المسجد لينال الأجر والثواب إن أرادت الصلاة في المسجد فعليها أن تستعمل آداب الخروج من المنزل.

أسال الله جل وعلا أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه سميع مجيب ..



بحث عن بحث