الدرس الثامن عشر

أحكام وآداب القرآن الكريم ( 4 )

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وأصلي وأسلم علي نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد:

أيها الإخوة: فأسأل الله أن يسعد أوقاتكم وان يتقبل صيامكم واجتهادكم أن يجعلنا وإياكم من المأجورين في هذا الشهر الكريم.

ولا زلنا نواصل الحديث عن كتاب الله جل وعلا فقد تحدثنا في دروس سابقة عن فضله وقراءته ووجوب العناية به وتدبره، وفي هذا الدرس نكمل ما ابتدأناه في الدروس السابقة، عن أحكام وآداب تلاوة القرآن الكريم، فمنها:

1-أن يقرأ القارئ القرآن على طهارة لأنه هذا من تعظيم كلام الله عز وجل فعليه أن يغتسل إن كان جنبا، ويتوضأ إن لم يكن على وضوء وبخاصة إذا كان سيمس المصحف .

2- ومن الآداب: أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند بداية القراءة سواء كانت بداية القراءة من أول السورة أو من وسطها أو في أواخرها، لقول الله سبحانه وتعالى: [ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ][النحل:98]، وإذا كان سيقرأ من أول السورة يقرأ البسملة بعد التعوذ .

3- ومن الآداب: أن يحسن صوته بالقراءة لأن تحسين الصوت بالقراءة معين على حضور القلب وخشوعه وباعث على حسن الاستماع والإصغاء إلى القرآن الكريم.

 فقد روى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول صلى الله عليه وسلم  قال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن».

قال جمهور العلماء: لم يتغن أي لم يحسن صوته، وروى الإمام أحمد وغيره عن البراء بن عازب رضي الله عنه  أنه قال: (زينوا القرآن بأصواتك).

وفي رواية: (حسنوا بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) وروى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه  أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أسمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» والمراد بالمزمار الصوت الحسن.

ولا يعني هذا ما يفعله بعض القراء من مد القراءة مدا طويلا أكثر من اللازم وبالتالي يذهب بخشوعها وخضوعها والهدف الذي قرئت من أجله بل المراد أن يحسن صوته ويتمهل في قراءته ليحصل المقصود.

أخي المسلم وكما أن للقارئ آدابا فللمستمع لقراءة القرآن آداب ينبغي له أن يراعيها ومن أهمها:

1-حسن الإنصات للقراءة وعدم التشاغل عنها بالكلام أو العمل ونحو ذلك امتثالا لقول الله سبحانه [وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ][الأعراف:204] ومن المؤسف أن نرى كثيرا من المسلمين تساهلاً في هذا الجانب كثيرا فترى البائع يفتح المذياع على قراءة القرآن أو المسجل مثلا، والقارئ يقرأ، وهو منشغل مع المشتري في البيع والشراء وكتاب الله تعالى يتلى، وترى الأب مع أولاده يخاطبهم ويتحدث معهم والقارئ يقرأ وكأن شيئا لم يكن، وترى الأصحاب والأصدقاء يتجاذبون أطراف الحديث في المجالس أو السيارة والقرآن يتلى وكأن شيئا لا يعنيهم، وغير ذلك من الصور التي نشاهدها وهذا كله خلاف الآداب مع القرآن الكريم. فهل نغير من أوضاعنا لنرقى إلى مستوى من التعامل الأفضل مع كتاب الله عز وجل؟

2- ومن آداب المستمع أيضا أن يتدبر ما يستمع إليه فيسأل عند آية الوعد ويستعيذ بالله من عذابه عند آية الوعيد وينزه الله جل وعلا ويسبحه عند ذكره وهكذا. كما مر معنا في بعض الآثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  وصحابته الكرام في ذلك.

أخي المسلم: ومما ينبغي التنبه له في التعامل مع كتاب الله سبحانه وتعالى الاهتمام به، وأن يتعهده بالحفظ والمداومة على تلاوته، وليحذر كل الحذر من هجرانه وترك التعهد له فيتعرض لذلك لنسيان وترك العمل به، وذلك من أعظم الذنوب وأكبر المعاصي وبالتالي يُخشى على المسلم مما يشكو منه رسول الله صلى الله عليه وسلم  بقوله: [وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَب إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ][الفرقان:30] .أيا كان نوع الهجر، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى : هجر القرآن أنواع :

أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه .

الثاني: هجر العمل به والوقوف عن حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.

الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين.

الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه .

الخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به. وكل هذا داخل في قوله: [ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَب إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ][الفرقان:30] وإن كان بعض الهجر أهون من بعضأ. هـ.

أخي المسلم: نحمد الله سبحانه وتعالى أن بلادنا مليئة بمدارس تحفيظ القرآن صباحية ومسائية في المدارس والمساجد، ولكن المؤسف جدا أن بعض المسلمين انشغلوا عن تعلم القرآن وتعليمه، فالكبار انشغلوا بالدنيا والركض وراءها، والشباب صار همهم ضياع الأوقات يمنة ويسره، تراهم في الطرقات والأماكن العامة ولا هم لهم إلا اللهو واللعب ومشاهدة الملهيات التي عمّت وطمّت.

والصغار تركهم آباؤهم وأمهاتهم للشارع يهيمون فيه لعبا ولهوا، وواقع المرأة لا يقل عن هؤلاء فيه منشغلة بمتابعة الأزياء الجديدة، والتردد على الأسواق والحدائق وأمكنة الملاهي وغيرها. وهذا واقع له مردوده السلبي على الفرد والأسرة والمجتمع، فهل لنا أيها الصائمون والصائمات أن نستيقظ من هذه الغفوة تجاه كتاب الله .

ونستغل الفرصة التي أتيحت لنا فكما ذكرت أن المدارس لتحفيظ القرآن والمساجد منتشرة ومتوفرة والحمد لله، فاجعلوا جزءا من اهتمامكم بتنشئة أبنائكم على حب كتاب الله تعالى وبخاصة حفظه وتعلمه في هذا الشهر المبارك الذي يعفو الله فيه عن المسيء ويقبل التوبة من عباده وضاعف أجره وثوابه، اعملوا لذلك تجنون ثمرته في الدنيا قبل الآخرة.

أسأل الله تعالى أن يعفو عن زلاتنا ويغفر ذنوبنا وضاعف حسناتنا ويرزقنا تلاوة كتابه وحفظه وتدبره إنه قريب مجيب. 



بحث عن بحث