الدرس الثلاثون

ختام رمضان مع العيد ومظاهره

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المصطفى على جميع المخلوقات، وعلى آله وأصحابه وزوجاته الطاهرات، وجميع المسلمين والمسلمات، أما بعد:

فأسأل الله أن يختم لنا ولكم شهر رمضان بالقبول والمغفرة والرضوان، والعتق من النيران.

أيها المسلم الكريم: تحدثنا فيما سبق عن وداع رمضان وما ينبغي للمسلم أن يفعله في وداعه لهذا الشهر الكريم، فعرفنا أنه ينبغي له أن يحسن الوداع كما أحسن استقبال وذلك بالتوبة لله عزَّ وجلَّ، والندم على فعل المعاصي والذنوب، والتأسف على التقصير في جنب الله يودع رمضان وقد عزم على مواصلة العمل الصالح، وبالاستمرار بالذكر والدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى، وكثرة أعمال البر والخير من طاعة الوالدين وبرهما وعدم عقوقهما، وصلة الأرحام والعفو عن الناس والإحسان عليهم والعطف على فقيرهم، والتصدق على محتاجهم.

أيها المسلم الكريم: يحتفل المسلمون بعيد الفطر المبارك، والذي جعله الله سبحانه وتعالى عقب شهر رمضان على أن وفقهم للقيام بعبادته وطاعته وأن يشكروه على أن جعلهم ممن أدرك شهر رمضان واغتنم فضله وإحسانه، يشكروه على نعمه الكثير وآلائه الجسيمة التي لا تعد ولا تحصى.

يحتفل المسلمون بالعيد فرحين مسرورين، يتزاور الأهل والأقارب، ويجتمع الأصدقاء والأحباب لابسين الجديد من الثياب، تجتمع القلوب على المحبة والمودة، وتتقارب الأفئدة على الصفاء والوفاء، متناسين أضغانهم وأحقادهم، ويتبادل المسلمون البر والإحسان، والهدايا والهبات.

أيها المسلم الكريم: شرع الله سبحانه وتعالى العيد لحكم عظيمة ومقاصد كبيرة لعلنا نقف مع بعضها وقفات يسيرة للعظة والذكرى:

الوقفة الأولى: في العيد شرع الله التكبير له عزَّ وجلَّ، ويبدأ عند إكمال العدة من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، يقول الله تعالى: ﴿وَلِتُكملُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].

صفة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. وتمام التكبير صلاة العيد.

تصور نفسك أخي المسلم وأنت في كل سوق وشارع وفي كل بيت ومسجد تسمع تكبير الله سبحانه وتعالى هو الصوت المسموع تلهج به الألسنة شكرا لله سبحانه وتعالى على إكمال عدة رمضان، ما أجمل هذا المنظر، وما أروع حال الناس وهم يكبرون الله تعظيمًا وإجلالًا من كل مكان عند انتهاء شهر الصوم، وما أجمل البيوت وهي ترن بذكر الله تعالى تكبيرًا وتحميدًا وتهليلًا، وما أروع جدران المدن والقرى وصداها يتجاوب مع ذكر الله، إن هذه الصورة الرائعة قل ما نراها في الأزمنة المتأخرة، فهل نعيدها؟ لنحس بروعتها وجمالها، إن هذا من علامات قبول الصيام، لكن المؤسف أن كثيرًا من المسلمين نسي هذه الشعيرة أو تجاهلها وأبدلها بأصوات أخرى، فلا تكاد تسمع هذا التكبير في المنازل فضلًا عن السوق والشوارع، فلنعد تلك الشعائر العظيمة.

الوقفة الثانية: في العيد شرعت صلاة العيد وهي من تمام ذكر الله          عزَّ وجلَّ، وشكره على توفيقه بإتمام الصيام والقيام، في العيد يخرج المسلمون والمسلمات مصطحبين عوائلهم وأولادهم ونساءهم متسترات متحجبات غير متبرجات بزينة، إلى المصلى ذاكرين الله مهللين مكبرين، حامدين مسبحين. هكذا أمرنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  تقول أم عطية ك: «أمرنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أن نخرجهن في الفطر والأضحى، والعواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها من جلبابها» [الجلباب: هو لباس تلتحف فيه المرأة بمنزلة العباءة]، لتخرج الأسرة جميعًا إلى صلاة العيد بكل وقار وحشمة وتستر، ونصلي العيد بكل خشوع وتذلل.

الوقفة الثالثة: في العيد يلبس الناس الجديد، وهذا هو السنة، وهذا ما ينبغي أن يفعله المسلم، فيتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، روى البخاري ـ رحمه الله ـ عن عبد الله بن عمر م قال: أخذ عمر جبة من استبرق ـ أي حرير ـ تباع في السوق فأتى بها رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «إنما هذه لباس من لا خلاق له»، قال العلماء: إنما قال ذلك لكونها حريرا.

أيها المسلم الصائم: لبس الجديد من الثياب يذكرنا بأن نجدد قلوبنا بالإيمان واليقين، يذكرنا بتصفية القلوب من أحقادها وأضغانها وأحسادها، يذكرنا بنقاوة الفؤاد، وبطهر الضمير، وبسلامة الصدر من كل ما يشينه، يذكرنا بالنبي  صلى الله عليه وسلم  والتأسي به، وبقوله عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم»، وبقوله صلوات الله وسلامه عليه: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانًا»، فتذكر أخي المسلم هذا المعنى العظيم لتتمتع بالعيد.

الوقفة الرابعة: في العيد يسلم الناس بعضهم على بعض، تتصافح الأيدي، ويتزاور الأقارب والزملاء والأصدقاء، الابتسامة تعلو الشفاه، والسرور يعلو الجبين، والكلام الطيب تلهج به الألسنة، إنه مظهر من المظاهر الجميلة، والتي يجب أن نحافظ عليها ونغتنمها عليها أيها الأخ المسلم زيادة صلة القربى، فإن الرحم من الرحمن وقاطعها يقطعه الله، فلتصافح قلوبنا بعضها بعضًا، كما تتصافح أيدينا، ونصفيها من الأحقاد والضغائن فتبتسم كما تعلو الابتسامة شفاهنا، وندعو لبعضنا البعض، كما يعلو السرور جبيننا.

هذه مظاهر العيد الحقيقة، إنها مظاهر تنبع من روح الإيمان ومن قوة الرابطة بالله جل وعلا، فلنلزم أنفسنا بذلك.

الوقفة الخامسة: نظرة سريعة لواقع كثير منا في العيد، اهتمام بالمظهر دون المخبر، وعدم شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه الكثيرة، سهر بالليل على أمور لا تحمد عقابها، ونوم في النهار فتضييع الصلوات واهتمام كثير منهم بالطرب والغناء أكثر من التكبير والتهليل وصلة الأرحام وذوي القربى، وإنفاق للأموال بإسراف وتبذير وفي الوقت نفسه إمساك وشح عن الفقراء والمساكين ومشاريع الخير، هذه حال البعض، فختام رمضان والعيد فرصة لتصحيح هذه الحال، فهل من وقفة صادقة لتقف على المسار الصحيح. هذا هو المؤمل من كل مسلم ومسلمة وهما يختمان رمضان، ويؤملان القبول والرضوان.

أسأل الله تعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وصالح أعمالنا وأن يختم لنا شهر رمضان بالقبول والغفران والعتق من النيران، وأن يعيده علينا عاما بعد عام والأمة المسلمة ترفل بثوب النصر والعزّ والتمكين، إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ.

وبهذا نختم هذه الدروس الرمضانية ونسأله تعالى أن يتقبلها، وأن يعينوا عما وقع فيها من الزلل والخطأ والتقصير إنه قريب مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

*   *   *   *   *

كتبه

أ.د. فالح بن محمد بن فالح الصغير

البريد الإلكتروني : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث