النية

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب ط قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».

©  المباحث اللغوية في الحديث:

إنما الأعمال بالنيات: المراد بالأعمال: الأعمال الشرعية فعلًا كانت أو تركًا.

والنيات: جمع النية. وهي لغة: نوع من القصد والإرادة.

أما في الاصطلاح: فيراد بها معنيان:

1-   تميز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر أو تمييزها عن العادات، كتمييز الغسل من الجنابة عن غسل التنظيف.

2-   تمييز المقصود بالعمل، هل هو لله وحده أو له ولغيره؟ كالصلاة مثلًا هل صلاها العبد لله أو صلاها بنية أخرى؟

وهذا المعنى الثاني هو المراد بالحديث.

وإنما لكل امرئ ما نوى: معنى هذه الجملة أن الجزاء على الأعمال بحسب نية صاحبها.

هجرته: الهجرة لغة: الترك.

وفي الاصطلاح: الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام وهذا المعنى الخاص للهجرة.

وتطلق عامة على هجر الذنوب والمعاصي.

أما المراد بها في الحديث: الانتقال من مكة وغيرها إلى المدينة قبل فتح مكة.

يصيبها: يحصل عليها.

ينكحها: يتزوجها.

سبب الحديث:

قيل في سبب الحديث ما رواه وكيع عن الأعمش عن شقيق أنه قال: خطب أعرابي من الحي امرأة يقال لها أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها، فكنا نسميه مهاجر أم قيس.

لكن هذه القصة لم تثبت، قال العلامة ابن رجب :: «وقد اشتهر أن قصة مهاجر أم قيس كانت سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها»، وذكر ذلك في كتب المتأخرين، ولم نر لذلك أصلًا يصح».

©  أهمية الحديث:

تعددت أقوال السلف رحمهم الله تعالى في بيان أهمية هذا الحديث وعظمته فجعلوه من أصول الدين وأسسه، يقول الإمام عبد الرحمن بن مهدي :: «لو صنفت كتابًا في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب في كل باب»، وروي عن الإمام الشافعي : أنه قال: «هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين بابًا من الفقه»، وروي عن الإمام أحمد بن حنبل : أنه قال: «أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث وذكر منها حديث عمر ط، ويقول الحافظ ابن رجب :: «وبه صدّر البخاري كتابه الصحيح، وأقامه مقام الخطبة له، إشارة إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة».

©  توجيهات الحديث:

1-   دلّ الحديث على أهمية النيّة في دين الله تعالى، فالأعمال بحسب نية صاحبها مهما اتحد شكلها ومظهرها، فيجب على المسلم أن تكون نيته لله ﻷ في جميع أعماله فعلًا أو تركًا.

2-   أن الجزاء لأعمال الإنسان بحسب نيته، فإن كانت نية العبد صالحة كان جزاؤه صالحًا، وإن كانت نيته غير صالحة فلا يؤجر على هذا العمل حتى ولو كان عملًا صالحًا.

 مثال ذلك: الصلاة، فإذا صلّى المسلم يريد أداء الواجب وطاعة لله ﻷ، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، كان جزاؤه أجرًا وثوابًا ونال ما يناله المسلم المصلي. ولكن إن صلّى لا يريد وجه الله تعالى وإنما رياءً للناس، أو خوفًا من والد، أو مجاملة لصديق، فهذا لا يؤجر على صلاته وإنما يعاقب على هذه النية.

3-   أن النية الحسنة تقلب الأعمال المباحة والعادات إلى عبادات يثاب عليها المؤمن مثل: النوم، والأكل، والشرب، وزيارات الأصدقاء وغيرها، فإن نورى بالنوم مثلًا التقوي على عبادة الله تعالى كان نومه عبادة يؤجر عليها.

جاء ذلك صريحًا في قوله صلى الله عليه وسلم  - أثناء تعداده للصدقات-: «وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر».

4-   لعظم أمر هذه النية اهتمّ بها السلف اهتمامًا كبيرًا، وعظموها في نفوسهم، يقول عمر بن الخطاب ط: «لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له»، وروي عن ابن مسعود ط أنه قال: «لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول ولا عمل إلا بنية، ولا ينفع قول ولا عمل ولا نية إلا بما وافق السنّة».

وروي عن يحيى بن كثير : أنه قال: «تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل»، وروي عن ابن المبارك : أنه قال: «رُبّ عمل صغير تعظّمه النية، ورُبّ عمل كبير تصغره النية».

وأبلغ من هذه الأقوال قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن الله لا ينظر  إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم».

5-   على المسلم أن يحذر كل الحذر من أن يعمل عملًا صالحًا بنية فاسدة، أو أن يريد به عرضًا من أعراض الدنيا من رياء أو سمعة أو طلب مال، أو وجاهة وقرب من الناس أو غير ذلك، فالأعمال الصالحة حينئذ تنقلب وبالًا على صاحبها، ولا ينال منها إلا التعب في أدائها والفشل والخسارة في نتيجتها، جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة وهم: قارئ القرآن، ومتعلم العلم، والمجاهد، والمنفق ولكنهم بنوايا فاسدة، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴿15 أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 – 16].

6-   دلَّ الحديث أيضًا على أن المسلم ينبغي أن يهجر المعاصي والآثام – صغيرها وكبيرها – إلى الطاعات والأعمال الصالحة حتى ينال ثواب الهجرة في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والمهاجر من هجر الذنوب والمعاصي».

7-   من سعادة المرء في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة أن تكون مقاصده حسنة وأعماله صالحة، يطلب فيها رضا الله تعالى، ومتمشيًا فيها على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما شرطا قبول العمل عند الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].



بحث عن بحث