معاملة العبد لربه ونفسه والناس

عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل م، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

©  المباحث اللغوية:

اتق الله: التقوى في اللغة: اتخاذ وقاية وحاجز يمنك مما تحذره.

وتقوى الله: أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

حيثما كنت: يعني في أي زكان أو مكان كنت.

واتبع: افعل الحسنة بعد السيئة مباشرة.

خالق الناس: عامل الناس.

©  توجيهات الحديث:

1-    هذا الحديث جليل القدر كبير المعنى يتضمن أصول التعامل مع الله جل وعلا، ومع الخلق.

2-    تقوى الله تعالى وصية الله للأولين والآخرين، وخير وصية يوصى به العبد، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].

والتقوى أن تعمل بطاعته ترجو ثواب الله، وأن تجتنب معصيته خشية الوقوع في عذاب الله.

والتقوى أن تعمل بما أمرك الله تعالى فلا يفقدك حيث أمرك، وأن تجتنب ما نهاك الله فلا يراك حيث نهاك.

3-    تقوى الله تعالى لها ثمار عظيمة في الدنيا والآخرة، ومنها:

أ- أنها سبب للنجاة من عذاب الله تعالى، قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72].

ب- وسبب لعون الله تعالى وتأييده وحفظه قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].

ج- وتقوى الله موجبة للجنة: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴿54 فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54 – 55].

د- وتقوى الله من عوامل الحفظ من كيد الأعداء قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120].

هـ- وهي سبب جالب للأرزاق العاجلة والآجلة: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴿2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2 – 3].

و- وهي سبب للخلاص من الشدائد والأزمات: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]

ز- وهي من مكفرات الذنوب قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5].

4-    من عوامل الحصول على التقوى استحضار خشية الله تعالى في السر والعلن، والعمل بالفرائض، وكثرة الدعاء، وعدم التعامل بالحرام أو بالشبهات قال الحسن البصري: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال خشية الوقوع في الحرام.

5-    قد يزل الإنسان، أو يخطئ، أو يفتر عن طاعة، أو يقصر في حق الله تعالى، فمن وقع في شيء من ذلك فقد جعل له الله تعالى سبيلًا لتكفير ما وقع منه، وهو أن يبادر لعمل حسنة من الحسنات، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. فأيًّا كانت الطاعة فهي – بإذن الله – تبدد ظلام المعصية.

6-    يحرص الإسلام على قيام العلاقات الاجتماعية بين الناس على أساس من التعامل الحسن، والأخلاق الكريمة، وفي ذلك صلاح للأفراد والمجتمعات، ولأجل ذلك جاءت النصوص الكثيرة من القرآن والسنة على التعامل بهذه الأخلاق، قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]. وقال سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].

7-    على المسلم أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم  الذي وصفه الله تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، وأمر المسلمين بالاقتداء به فقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].

8-    من الخير للمسلم أن يسعى لكسب الأخلاق الحسنة، والتخلق بها، فإن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم. ومما يعين على ذلك قراءة كتاب الله تعالى، ومجالسة الصالحين، ومجانبة مجالس الأشرار.



بحث عن بحث