ب - مسئوليتها بصفتها أمًّا:

     الأم لها حق عظيم، بل لها أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى، قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:23،24] والآيات المشابهة لها كثير، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم   فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: ((أُمُّكَ)) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((ثُمَّ أُمُّكَ)) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((ثُمَّ أُمُّكَ)) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((ثُمَّ أَبُوكَ)) .

     ويتمثل هذا الحق بالإحسان إليها بكل أنواع الإحسان القولية، والفعلية، والمالية. وبمقابل هذا الحق فعليها مسئولية عظيمة، وأمانة كبرى، بل هي من أعظم مسئولياتها في هذه الحياة.

     ومنطلق هذه المسئولية، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6].

     قال الحسن: مروهم بطاعة الله، وعلّموهم الخير.

     وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته)).    

      قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدًى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتي صغيرًا فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا).

     هذا إجمال في مسئولية الأبوين، أما مسؤولية الأم فهي كالآتي:

         أولاً: اختيار والد ابنها:

-         بداية الاهتمام والمسئولية هو مرحلة الاختيار الصعبة في قبول والد أطفالها، فلا تقبل كل من تقدم لها ممن يريد نكاحها والزواج منها، بل جعل الرسول  صلى الله عليه وسلم   معايير واضحة للمقبول زوجًا، قال عليه الصلاة والسلام: ((إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)).

        فالمعيار ثلاثة أمور:-

        * الدين       * الخلق        * العقل

        فإذا توفرت هذه الأمور الثلاثة فتقبل به، وهذا يخالف ما عليه نظرة كثير من الناس اليوم، فمن ناظر إلى مال المتقدم أو شهادته العلمية أو وظيفته الرسمية، أو مكانته الاجتماعية، أو شكله وهيئته، أو بروزه وشهرته، وكل هذه المعايير ونحوها ليست بشيء مقابل ما وضعه الرسول  صلى الله عليه وسلم .

     لما ذا؟

     لأن السعادة والحياة الطيبة وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة تكمن في تلك المعايير.

     فبلا دين تتعرض المرأة للظلم، وأولادها للضياع والانحراف، وبلا خلق تتعرض لسوء المعاملة، وأولادها للتناقض في الشخصية، وبلا عقل تتعرض لعدم الطمأنينة والحياة الطيبة، وأولادها لعدم الاستقامة، فالأب المتدين الخلوق العاقل هو الذي سيربي أولادها ويعينها على تنشئتهم النشأة الصالحة ويحرص عليهم خلقًا وسلوكًا.                 

        ثانيًا: رعايته جنينًا:

-         الاهتمام بالجنين منذ وقوعه في رحمها نطفة، فتراعي صحته وما ينفعه، وذلك من خلال أكلها وشربها وحركتها، فمن المعلوم أن الحامل تتعرض أثناء حملها الطويل لكثير من المواقف فتتنبه إلى ذلك، من أن يخرج جنينها سالمًا معافًى، وهذا يعين على تربيته صحيًّا وجسميًّا وعقليًّا.

          ثالثًا: رعايته وليدًا:

-         التعاون مع والده عند وضعه في القيام بحقوقه في هذه المرحلة والمتمثلة بما يلي:-

          * الأذان بأذنه اليمنى ليكون أول ما يسمعه كلمة التوحيد.

          * تسميته بالاسم الحسن والحذر من التسمية بالأسماء القبيحة أو الدالة على معاني سيئة أو بأسماء الكفار، أو المحذورة شرعًا.

          * حلق رأسه في اليوم السابع من ولادته مع تسميته.

          * التصدق بوزن شعر رأسه فضة.

          * العق عنه وذلك عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، قال عليه الصلاة والسلام: ((الْغُلامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ)).

-        تعويده على النطق بالتوحيد، وغرس المعاني السامية في نفسه وبخاصة في الخمس السنوات الأولى، فيذكر بعض الباحثين أن الطفل يتعلم في سنواته الأولى أكثر بكثير مما يتصوره الآباء، فإن 90% من العملية التربوية تتم في سنواته الأولى، فمن المهم استغلال هذه الفترة بما ذكر آنفًا وبما سيأتي تفصيلاً. يقول ابن الجوزي رحمه الله: أقوم التقويم ما كان في الصغر، فأما إذا ترك الولد وطبعه فنشأ عليه ومرن كان صعبًا، قال الشاعر:

إن الـغـصـون إذا قومتها اعتدلـت     ولا يـلـيـن إذا قومـتـه الـخـشب

قـد ينفع الأدب الأحداث في مهل     وليس ينفـع في ذي الشيبة الأدب

     ومما يذكر هنا:-

     * تعويد الطفل النطق بالأذكار: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، وغيرها.

     * غرس محبة الله في نفس الطفل.

     * غرس عظمة الله ووجوب خشيته في نفسه.

     * غرس مراقبة الله واطلاعه على الناس.

     * تعويده على الكلمات الطيبة مثل: أحسنت، شكرًا، جزاك الله خيرًا.

     * تعويده على الأذكار المهمة، أذكار النوم، الطعام، دخول دورة المياه.

     * تعويذ الأطفال كما كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم   يفعل ذلك مع الحسن والحسين بأن تقول: أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة؛ حتى لا يتعرض لهم الشيطان.

-         ويذكر بخصوصه وإن كان داخلاً فيما قبله: البداية بتحفيظه كتاب الله عز وجل في البيت، وتسميعه إياه، وكذا شيء من السنة النبوية وبالذات الأحاديث القصار.

-         محادثة الطفل بشيء من القصص المهمة وبخاصة السيرة النبوية بأسلوب يناسب المرحلة التي يعيشها، فإن تلك القصص تربي فيه المعاني الكبيرة، وتغرس في نفسه الخلق القويم، ويأخذ بالتمني بأن يكون كهؤلاء الذين سمع قصصهم.

-         تنمية الطموح لدى الطفل منذ صغره على الهمم العالية، بأن يغرس في نفسه بأن يكون عالمًا كفلان، أو طبيبًا ماهرًا كفلان، ونحو ذلك.

-         محاولة اكتشاف ميول الطفل وتنمية مواهبه، فمثلاً: إذا شوهد بأنه ميّال للقراءة فتغرس فيه وتوفر له الكتب المناسبة، وإذا كان ميّالاً للألعاب فتوفر له تلك الألعاب المنمية للقدرات والذهن.. وهكذا.

           رابعًا: رعايته حبيبًا:

-         وعند سن السابعة تبدأ مرحلة جديدة مع معاملة الطفل، وضع الرسول  صلى الله عليه وسلم   معالمها الأساسية بقوله: ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)). وهذه المعالم:-

     * البدء بأمر الطفل بالصلاة التي هي رأس العبادات العملية، وتوجيهه إلى ذلك وحثه عليه.

     ويدخل في هذا أيضًا سائر العبادات كالصيام وتعويده على ذلك، ويشعر بأن أعمالها كلها عبادات يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى.

   ومما يعين في المراحل السابقة الأساليب التربوية الآتية:

     أ) العقوبة سوى العقوبة البدنية، وذلك إذا تكرر منه ترك الصلاة، مثل: حرمانه من عطية معينة، تهديده بالضرب، عدم تلبية طلباته.. وهكذا.

      * العقوبة البدنية عقوبة غير شديدة، وذلك إذا تم سن العاشرة وتكرر منه ترك الصلاة، ويتجنب في هذه العقوبة مواضع الضرر من الجسد كالرقبة والبطن والرأس.

   ب) تأكيد الخصوصية النوعية لجنس الذكر والأنثى:

      إشعار أن كلاًّ من الابن والبنت له خصوصيته تختلف عن الآخر، يبدأ هذا الإشعار بالتفريق بينهم في المنام عند بلوغ سن العاشرة وذلك سدًّا لذريعة الاقتراب والفاحشة، وما لا تحمد عقباه، وتمرينًا أيضًا على الاستقلالية والخصوصية.

   جـ) التدريب العملي على الأخلاق والآداب:  

   ويدخل في ذلك تمرينهم على الأخلاق العملية وتعويدهم عليها كالصدق في التعامل قولاً وفعلاً، وعدم إخلاف الوعد والعهد.

   د) الحوافز:

 مما يساعد في أمر التربية في الصغر قضية الحوافز التشجيعية المناسبة لأعمالهم، فإن لها أثرًا عليهم حتى ولو كانوا صغارًا.

 هـ) المراقبة والمتابعة للصاحب:

الاهتمام بأمر الجليس والصاحب منذ الصغر وعدم إهماله فمنه يتعود الكلمات والعادات والأعمال فيقرّب ممن عاش في بيئة حسنة ويبعد عمن عاش في بيئة سيئة.



بحث عن بحث