الإطار الثالث:مسئوليتها نحو المجتمع والأمة:

   تتسع دائرة مسؤولية المرأة لتبلغ المجتمع والأمة بأسرها وهي المسؤولية التي تكمن في القيام بمهمة الدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والنصيحة والإصلاح.

     وهنا أذكر بعض النصوص الشرعية في أهمية هذه الدعوة ووجوبها وثمراتها عامة, ثم ما يتصل بالمرأة خاصة.

      قال تعالى: (ومن أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:33،34].

      وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].

      وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125].

      وقال تعالى: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة:122].

      وقال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108].

      وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[التوبة:71].

     وقال في ضد هؤلاء: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة:67].

     وقال تعالى: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:3].

     وفي صحيح مسلم من حديث تميم بن أوس الداري أن النبي  صلى الله عليه وسلم   قال: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: ((لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)) .       

      وعند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))،.

       وروى البخاري من حديث عبد الله بن عمر عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أنه قال:

 ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً))  .

     وقال  صلى الله عليه وسلم : ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)).

     والنصوص في هذا الباب كثيرة جدًّا. وهذه الخطابات عامة يدخل فيها النساء والرجال. وعلى هذا فالمرأة المسلمة مكلفة بواجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومسؤولة عن ذلك.

    ثم إن هناك من المسوغات والمبررات التي تحمل المرأة تلك المسؤولية وتجعلها لا تنفك عن مسؤولياتها تجاه نفسها وتجاه أسرتها، وهذه المبررات هي:

 1) علاقة المرأة بمجتمعها:

    وهي العلاقة التي تجعل المرأة محورًا لعلاقات وثيقة بأطراف المجتمع، تشكلها القرابة، فلا تخلو المرأة من كونها أمًّا أو زوجة أو بنتًا أو أختًا أو خالة أو عمة... الخ، ويدخل فيها المصاهرة، والجوار، والصداقة والزمالة، كما أن كون المرأة عضوة في المجتمع والأمة وعنصر من عناصره، كل هذه العلاقة بالمجتمع تجعل من المرأة ذات مسؤولية مهمة، فالقرابة والرحم حقه عظيم، وقد جاءت النصوص الشرعية المتظافرة على بيانه وأهميته ومنها قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) [محمد:22] وقوله عليه الصلاة والسلام :((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)). وقال تعالى في بيان شيء من حقوقهم : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)[الشعراء:214]. والجار له حق عظيم أيضًا ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام :((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ...) الحديث, وقوله عليه الصلاة والسلام :((مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)).

     والصديق له حق الصداقة والأخوة العامة والخاصة .

     وكل فرد من المسلمين له حق في الإسلام كما جاء توضيح ذلك، وغير المسلمين لهم حق الدعوة إلى هذا الدين .

     والمرأة المسلمة متفاعلة فاعلة في هذا المجتمع، وعليها مسؤولية تجاه هؤلاء كل  بحسبه.

     2) أن المرأة أقدر من الرجل في الحديث مع النساء فيما يخصهن وخصوصًا في التراكيب العضوية، وما يترتب على ذلك من أمور نفسية واجتماعية، فهي هنا تستطيع أن تبلغ ما لم يستطع الرجل تبليغه  .

     3) ويتبع ذلك أن المرأة تستطيع طرق كافة المجالات الإصلاحية مع بنات جنسها باعتبار مخالطتهن وملاحظة سلوكهن وما يقعن فيه من أخطاء، وما يسري بينهن من ظواهر، بخلاف عمل الرجل الذي يعتمد على النقل، ومن يرى أبلغ ممن يسمع.

      4) أن مجال تأثيرها في القدوة في الخير, وتطبيق تعاليم الإسلام, والتزامها بأحكامه واستقامتها على منهاجه, أبلغ من كلام الناس، فالقدوة لها أثر عظيم في نفوس المدعوين.

     5) أن النصيحة الفردية, والدعوة الشخصية بين النساء لا يستطيع أن يقوم به الرجل, فلا بد من امرأة مثلها تقوم به، لِما فُرض على النساء من حجاب عن الرجال الأجانب عنهن.

     6) أن المسلمة ليست عضوًا فاشلاً في المجتمع، بل هي محل تأثر وتأثير, والمسلمة داعية وناصحة، فلا بد أن تشارك في عملية البناء والإصلاح والتوجيه, والدعوة إلى الخير .

     7) أن النساء القدوات كن كذلك، وعلى رأسهن الصحابيات الجليلات، وممن برز في مجال الإصلاح والمشاركة أمهات المؤمنين، فهذه عائشة رضي الله عنها تروي للأمة أحاديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وتنقل أحواله, المنزلية, وتستدرك على الصحابة, وتلك زينب بنت جحش رضي الله عنها تقوم على المساكين ولا تبقي شيئًا لديها، والأمثلة أكثر من أن تحصر, فهؤلاء فضليات النساء فهن القدوة والأسوة .

     8) أن جهود أعداء الإسلام نحو المرأة من جانبين: الأول تركيزهم على إفساد المرأة ذاتها، الثاني استخدامهم المرأة بعد إفسادها لإفساد غيرها، وواقع الكفار والمتآمرين يشهد على ذلك، فواجب عليها أن تقوم بدورها في صد ذلك الفساد, وبالمقابل في الدور الإصلاحي لبنات جنسها في المجتمع والأمة.

     9) أن تشارك الرجل في هذه الفضيلة العظيمة والأجر الجزيل, فأفضل الأعمال الخيرية, وأعلى المستحبات والمندوبات هو القيام بالإصلاح والدعوة للمجتمع كما سيأتي شيء من التفصيل فيه .      



بحث عن بحث