مجالات اليسر في السنة النبوية

أولاً: بناء الدين على اليسر والسماحة:

فقد وردت في ذلك نصوص كثيرة منها:

أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).

ب- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  سئل: أي الإيمان أحب إلى الله؟ فقال: (الحنفية السمحة)، وفي لفظ: (بعثت بالحنفية السمحة).

وأصل الحنف: ميل عن الضلال إلى الاستقامة، والحنيف: المائل إلى الإسلام، والحنيف عند العرب: ما كان على دين إبراهيم –عليه السلام- والحنفية: هي ملة الإسلام، والسمحة: السهلة.

ج- عن عروة الفقيمي رضي الله عنه  قال: كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم  فخرج يقطر رأسه من وضوء الغسل فصلى فلما قضى الصلاة: جعل الناس يسألونه يا رسول الله: أعلينا حرج بكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يا أيها الناس: إن دين الله عز وجل: في يسر، إن دين الله عز وجل في يسر).

د- عن محجن بن الأدرع قال: (إن الله تعالى رضي لهذه الأمة اليسر، وكره لها العسر).

هـ- روى الإمام أحمد بسند صحيح: (إن خير دينكم أيسره إن خير دينكم أيسره).

و- عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين).

فدلت هذه الأحاديث بجموعها على أن دين الله تعالى يسر كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم  وكل ما جاء به فهو يسر وبوّب البخاري : للحديث الأول بقوله: (باب الدين يسر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة).

قال الحافظ ابن حجر : معلقاً على هذه الترجمة: أي دين الإسلام ذو يسر، أو سمى الدين يسراً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له: أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم.

ووصف الدين بأنه يسر جاء في كتاب الله تعالى في أكثر من موضع، فقد قال سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

والحرج: الضيق والشدة، وضده اليسر والسماحة واللين.

وقال بعد سياق فريضة الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال في آية أخرى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: ٦].

ثانياً: اليسر في التوحيد:

إن من أوضح مجالات اليسر والسماحة في التوحيد هي في تقرير لهذا المبدأ الواضح المفهوم الذي لا غبش ولا يصح الإسلام به.

ووجه ذلك: أن مبنى هذا الدين على عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا المبنى لا يحتاج إلى إيراد النصوص فهي أكثر من أن تحصى، لكن نذكر من هذه النصوص على سبيل المثال:

فمنها حديث ابن عمر م: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا).

وحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه  قوله: (إنك تقدم على أهل الكتاب فإذا جئتهم فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).

ويظهر اليسر في ذلك أيضاً: بأن الله تعالى لم يكلف العباد بعبادة غيره سبحانه فهو خالق الكون الرزاق الحكيم الرحيم الرؤوف الرحمن له الأسماء الحسنى والصفات العلى.

فلو جعل وسائط في عبادته لكان هناك كلفة ومشقة فسبحانه من حكيم عليم رؤوف رحيم.

ثالثاً: اليسر في بقية العبادات:

هناك أحاديث تدل على وجود اليسر في العبادات على وجه العموم منها:

قوله صلى الله عليه وسلم : (هلك المتنطعون». قالها ثلاثا. أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم).

وقوله صلى الله عليه وسلم : (خير العمل أدومه وإن قل)، وحديث عائشة –رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (عليكم ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا).

ومنها:  ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم  يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم  فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم  قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر، ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال : (أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني).

أما على وجه الخصوص، فيظهر ذلك في جميع أنواع العبادات 



بحث عن بحث