8-مظاهر اليسر في العقوبات والزواجر:

إن الناظر في العقوبات الشرعية من حدود وغيرها يظهر له يسر الإسلام فيها وعدالته على الفرد والمجتمع من عدة وجوه:

1- في إعطاء كل جريمة ما يناسبها من العقوبة كحد الزاني مثلاً، والسرقة والقذف... إلخ.

فلما كان الزنى من الثيب أعظم، كانت عقوبته أعظم، وكذلك السرقة فلما كانت اليد أمينة جعل ديتها خمسمائة دينار، فلما خانت قطعت في ربع دينار.

وكذلك القذف لما كان أخف من الزاني كانت عقوبته أخف.. وهكذا.

وعند التأمل نجد أن هذه الحدود والعقوبات رحمة للمجتمع، وهي رحمة بالناس جميعهم فهي لا تفرق بين ضعيف وشريف، ولا جنس وجنس، وحماية للحقوق وصيانة للمحرمات، إنها الرحمة المصاحبة للعدل في شريعة الإسلام ومصداق ذلك في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179].

2- يظهر أيضاً ذلك في أن الشارع عني بطريق الإثبات في الحدود، بحيث لا تكون هناك شبهة، فإذا وجدت الشبهة درأت الحد، ويدل لذلك بعض الأحاديث منها:

- ما رواه الترمذي عن عائشة –رضي الله عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة).

- وما روى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: (ادفعوا الحدود ما وجدتم مدفعاً).

3- في توجيه الإسلام للفرد نفسه، وللإمام إذا لم يتبين له نوع الحد أن يستره عليه وفي هذا جملة أحاديث منها:

- ما رواه الشيخان مرفوعاً: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره الله عنه).

- وجاء في الموطأ عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: (أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله).

- وما رواه الشيخان أيضاً عن ابن عمر م مرفوعاً: (من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)، والستر هنا عام ويدخل فيه الستر من المعصية.

- كذلك ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم  فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه علي، قال: (ولم يسأله عنه)، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم  فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم  الصلاة قام إليه رجل، فقال: يا رسول الله إني أصبت حداً فأقم فيّ كتاب الله، قال: (أليس قد صليت معنا)؟ قال: نعم قال: (فإن الله قد غفر لك ذنبك)، أو قال: (حدك).

- قال النووي :: (هذا الحد معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير، وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة ولو كانت كبيرة موجبة للحد أو غير موجبة له لم تسقط بالصلاة، فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة، هذا هو الصحيح في تفسير هذا الحديث، وحكى القاضي عن بعضهم أنه المراد بالحد المعروف، قال: وإنما لم يحده لأنه لم يفسر موجب الحد، ولم يستفسر النبي صلى الله عليه وسلم  عنه إيثاراً للستر، بل استحب الرجوع عن الإقرار بموجب الحد صريحاً).

- كذلك حديث ماعز، كما في رواية الموطأ.



بحث عن بحث