التعريف بأمهات كتب السنة النبوية

مدخل:

لم تكن كتابة السنّة النبوية ظاهرة موجودة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وردت نصوص تمنع من كتابتها، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تكتبوا عنِّي. من كتب عنّي غير القرآن فليمحه»، وذلك خشية التباس السنة واختلاطها بالقرآن الكريم.

فلمّا تعلّم الصحابة القرآن الكريم وكتبوه، أذن النبي صلى الله عليه وسلم  لبعض الصحابة بأن يكتبوا شيئًا من الحديث، مثل إذنه لعبد الله بن عمرو بن العاص م وغيره.

فلما جاء عهد التابعين كتبوا شيئًا من السنّة لتذاكرها ومراجعتها وليس لقصد التصنيف.

فلما تقادم العهد، وكثر دخول الناس في الدين، وانتشر الصحابة في الأقطار، وما أكثرهم، اجتهد الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز : فأمر بعض العلماء بأن يكتبوا ما لديهم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكتب عدد منهم، منهم الإمام محمد بن مسلم بن شهاب – المشهور بالزهري – المتوفى سنة 124هـ، فهو أول من دون السُّنَن وجمعها جمعًا رسميًّا.

وبعد ذلك استمرت الكتابة شيئًا فشيئًا حتى جاء القرن الثالث للهجرة، فكان القرن الذهبي لتدوين السنة، حيث جمعت الأحاديث وصارت في كتب معروفة ومتداولة إلى يومنا هذا، والحمد لله على فضله.

أبرز كتب السنّة:

1-    كتاب الموطأ:

تأليف الإمام مالك بن أنس اليحصبي، إمام دار الهجرة المتوفى سنة (179هـ).

ألف كتابه الموطأ بطلب من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، حيث طلب منه أن يجمع ما ثبت لديه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويدونه في كتاب ويوطئه للناس، فاجتهد الإمام مالك : في جمع ما لديه من الحديث حتى قال: «عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ».

ومن اجتهاده : أنه قضى أكثر من أربعين سنة في تأليفه وجمعه، ينتقي الأحاديث ويهذبها وينقحها.

ومن منهجه فيه، أنه يذكر المرفوع من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما ورد من آثار الصحابة والتابعين في كل باب، وأحيانًا يذكر ما عليه العمل، أو ما عليه الإجماع، ونحو ذلك.

ومن اجتهاده أن أغلب ما في الموطأ من الحديث صحيح، أما عدد أحاديثه فقد اختلف فيه أهل العلم، وهذا راجع إلى أن الموطأ روي بروايات متعددة، وإن كانت كلها متقاربة، يقول ابن حزم :: «أحصيت ما في الموطأ لمالك، وما في حديث سفيان بن عيينة فوجدت في كل منهما من المسند خمسمائة حديث ونيفًا، وثلاثمائة مرسلًا ونيفًا، وفيه نيف وسبعون حديثًا، فقد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيها أحاديث ضعيفة وهّاها جمهور العلماء».

وقد طبع الكتاب عدة طبعات، وهو متداول بين أهل العلم وطلبته، شرح عدة شروحات من أبرزها شرح الإمام أبي عمرو يوسف بن عبد البر الأندلسي : في كتابه العظيم الذي سماه: «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد».

أما الإمام مالك: فهو إمام دار الهجرة العالم الرباني أبو عبد الله مالك بن أنس اليحصبي، سيد فقهاء الحجاز، ولد سنة 95هـ بالمدينة المنورة، ونشأ بها، وأدرك أفاضل التابعين، وأخذ عنهم العلم والحديث، وهو أول من ألّف في السنة النبوية، واشتهر أمره، وصار يرحل إليه، وضرب به المثل، حتى قيل: «لا يفتى ومالك في المدينة».

وابتلي في زمانه من قبل بعض الوشاة الذين سعوا في أمره لدى الخليفة المنصور، ثم لما عرفه استسمحه لما قابله في الحج، وكان : يتمتع بخلق رفيع وتواضع جم، وبذل وقته للعمل والتعليم، والإفتاء والرواية، حتى توفاه الله تعالى بالمدينة المنورة سنة 179هــ، فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

2-    مسند الإمام أحمد:

هو كتاب عظيم جليل، جمع فيه الإمام أحمد بن حنبل : أربعين ألف حديث بالمكرر.

وغالب هذه الأحاديث صحيحة، وفيها كثير من الحسن وبعض الأحاديث الضعيفة.

رتبه الإمام أحمد على طريقة المسانيد، وهي أن يجمع أحاديث كل صحابي على حده، فيجمع – مثلًا – أحاديث ابن عمر م بغض النظر عن موضوع الأحاديث، مبتدئًا بمسانيد العشرة المبشرين بالجنة وهكذا مختتمًا بأحاديث النساء.

أما الإمام أحمد: فهو إمام أهل السنة في زمانه، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، ولد ببغداد سنة 164هـ، ونشأ بها نشأة أهل العلم، فظهرت عليه علامات النبوغ والنجابة، فحفظ القرآن الكريم صغيرًا، وطلب العلم، واهتم بالسنة وجمعها، فتلقى العلم عن الأكابر حتى كان شيخه الإمام الشافعي يجله ويقول: «خرجت من بغداد، وما خلفت بها أتقى ولا أفقه من ابن حنبل».

امتحن في عقيدته وبخاصة في مسألة خلق القرآن فجُرّ وأوذي وضرب.

تتلمذ على يديه عدد من أكابر المحدثين كالإمام البخاري ومسلم وأبي داود وغيرهم، وما زال يحدث ويعلم حتى توفاه الله تعالى في ربيع الأول سنة 241هـ، ومشى في جنازته من لا يحصون عددًا، فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

3-    الجامع الصحيح للبخاري:

هو أعظم كتب المسلمين بعد القرآن الكريم، ألّفه الإمام البخاري قاصدًا جمع ما صح من الحديث دون استيعاب للجميع، خلال (16) سنة، وبلغ ما فيه بالمكرر (7563) حديثًا وبدون المكرر (2761) حديثًا، ورتبه على الكتب وهي على الأبواب، وبدأ فيه بحديث النية المشهور «إنما الأعمال بالنيات» وجعل في التراجم أحاديث معلقة.

وقد اهتم العلماء بهذا الكتاب شرحًا وتعليقًا واختصارًا ونقدًا ومن أفضل من قام بذلك الحافظ ابن حجر في كتابه «فتح الباري».

أما الإمام البخاري: فهو الإمام العالم الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي مولاهم، ولد في 13 شوال عام 194هـ، وتوفي ليلة عيد الفطر عام 256هـ عن 72 سنة.

حفظ الحديث وعمره 13 سنة، وبدأ يلقي العلم وعمره 18 سنة، وامتاز بقوة الحفظ والهيبة والفقه، وبرع في العلل والرجال ومعرفة الصحيح من السقيم. وألف عشرات الكتب منها: الجامع الصحيح، التاريخ الكبير والأوسط والصغير، الأدب المفرد، العلل، المبسوط، الكنى.. وغيرها.. رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

4-    الجامع الصحيح للإمام مسلم:

هو ثاني كتاب في الصحة بعد جامع البخاري، وقد قدمه بعضهم عليه لحسن ترتيبه، حيث رتبه على الكتب والأبواب بدون تسمية لها بل سردًا، واجتهد العلماء بعده في وضع العناوين فيه. وجمع مسلم في صحيحه هذا طرق الحديث في موضع واحد غالبًا، وربما كرره في موضع آخر، وبلغ عدد الأحاديث فيه دون المكرر (3000) حديث تقريبًا، ومن أشهر شروحه شرح النووي عليه واختصره جماعة منهم المنذري.

أما الإمام مسلم، فهو الإمام الحافظ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ولد سنة 204هـ، وتوفي سنة 261هـ،  تتلمذ على البخاري وأحمد وغيرهما، وألف المسند الصحيح، والتمييز في علل الحديث والوحدان، وطبقات التابعين والمخضرمين، والمسند الكبير على أسماء الرجال.. رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

5-    المجتبى «السنن الصغرى» للنسائي:

 هذا الكتاب اختصره مؤلفه من سننه الكبرى، وذكر فيه الصحيح وبعض الضعيف، لذا سماه بعض العلماء بصحيح النسائي، وقد رتبه على الكتب والأبواب، وذكر فيه أكثر من (5700) حديث بالمكرر، اهتم فيه بأدلة الفقهاء وعلل الأحاديث واختلاف الناقلين للخبر سندًا ومتنًا، وللسيوطي والسندي تعليقات يسيرة نافعة عليه.

أما مؤلفه فهو الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ولد سنة 215هـ، وتوفي سنة 303هـ، أخذ العلم عن الحفاظ الكبار كابن راهويه، ورحل إلى أمصار الدنيا لطلب الحديث، وبرع في الحديث والرجال والعلل، وألف السنن الكبرى والصغرى، والضعفاء والمتروكين، ومسند علي ومسند حديث مالك وغرائب الزهري وغيرها.. فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

6-    السنن لأبي داود:

هذا الكتاب ألفه أبوداود قاصدًا فيه الجمع بين الحديث والفقه والعلل والزيادات، انتخبه مؤلفه من بين (500) ألف حديث، ويضم أكثر من (5200) حديث بالمكرر، وجعل مؤلفه له، رسالة لأهل مكة ذكر فيها شرطه وطرقه، وقد امتاز الكتاب بجمعه لأحاديث الأحكام.

وقام جماعة من العلماء بخدمة هذا الكتاب، فشرحه الخطابي     والعظيم آبادي، واختصره المنذري، وعلق على هذا المختصر ابن القيم الجوزية تعليقةً عظيمة نفيسة، ولهذا الكتاب روايات كثيرة، يوجد في بعضها ما لا يوجد في الآخر، وقد رتبه على الكتب والأبواب.

أما مؤلفه فهو الحافظ أبوداود سليمان بن الأشعث السجستاني، ولد سنة 202هـ، وتوفي بالبصرة سنة 275هـ، وسمع من أحمد بن حنبل وغيره، وكان من حفاظ الحديث والعلل، مع النسك والعفاف والصلاح والورع.

قال الحربي: «ألين لأبي داود الحديث، كما ألين لداود ÷ الحديد، وقد ألف : غير السنن كتاب المراسيل. فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

7-    الجامع للترمذي:

هذا من أسهل كتب السنن وأقربها تناولًا للعالم ولعموم الناس، حيث رتبه مؤلفه على الكتب والأبواب، ويتبع كل حديث – غالبًا  - الحكم على الحديث وبيان درجته وما فيه من فقه وعمل باختصار، وذكر فيه الصحيح والحسن وما دونه، وبين – غالبًا – الضعيف والواهي بعبارة وفقرة معينة، ولم يكثر فيه من التكرار، وذكر فيه (4000) حديث تقريبًا، وقد عرض كتابه على كثير من أهل العلم في زمنه فاستحسنوه منه. وللكتاب عدة شروح، منها شرح لابن رجب ولابن العربي والعراقي والمباركفوري وغيرهم.

ومؤلفه هو الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، ولد سنة 200هـ، وتوفي سنة 279هـ، وصحب البخاري ولزمه واستفاد منه، وألف الجامع، والشمائل، والعلل الكبير، والصغير وغيرها، قال البخاري له: «ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي». فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

8-    السنن لابن ماجه:

كتاب السنن هذا مكمل لبقية الكتب الستة، وجعل بعض العلماء كتاب الموطأ بدلًا منه، ذكر ابن ماجه في كتابه هذا أكثر من (4300) حديث، مرتبة على الكتب والأبواب، فيها الصحيح والضعيف والواهي، وغالبًا زوائده على الكتب السابقة فيها الضعيف وفيها الصحيح، وللبوصيري كتاب جمع فيه هذه الزوائد ودرسها وحكم عليها وبلغ عددها (1339) حديثًا، نصفها صحيح والباقي ضعيف.

أما المؤلف فهو الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني الربعي، ولد سنة 209هـ، وتوفي سنة 273هـ، ألف السنن والتاريخ والتفسير، وكان ثقة له معرفة وحفظ ورحلة في طلب العلم، رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.



بحث عن بحث