التوبة

عن أبي موسى رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الله ﻷ يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها».

هذا حديث عظيم يتحدث عن موضوع عظيم يمس كل إنسان في هذه الحياة، هذا الموضوع هو: بيان فضل الله ﻷ بتوبته على عباده التائبين. ونفصّل ذلك فيما يلي:

1ـــ تمهيد:

خلق الله سبحانه وتعالى البشر وجعل لهم سمات يتسمون بها، ومنها الخطأ والتقصير والضعف، وهذا بلا شك – إذا وقع منهم في أمر شرعي – يعد ذنبًا من الذنوب ارتكبه صغيرًا كان أو كبيرًا، ولكن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، لطيف بهم، شرع لهم الوسائل التي يصححون بها هذا الخطأ، ويعالجون بها هذا التقصير، ومن أهم هذه الوسائل التوبة النصوح لله ﻷ مما وقعوا فيه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في بيان هذا الأمر: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».

هذه التوبة شأنها عظيم ندب إليها الإسلام، وحث عليها ورغب فيها، وحدد شروطًا لقبولها، وبيَّن أثرها على حياة الفرد المسلم والأمة المسلمة.

2 ـــ فضل التوبة وأهميتها:

أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة وحث عليها، يقول سبحانه وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]. وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. وبين سبحانه أنه يقبل التوبة من عباده التائبين، فقال: {هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25].

فقد روى الحارث بن سويد قال: حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم  والآخر عن نفسه قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مَرَّ على أنفه فقال به هكذا ... ثم قال: «لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلًا وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ، وقد ذهبت راحلته، حتى إذا اشتد عليه الحرُّ والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني؛ فرجع فنام نومةً ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده».

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم  في الحديث الأول: أن الله سبحانه وتعالى قد فتح باب التوبة في الليل والنهار، ولم يحجبها في أي ساعة من الزمن.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم  أنه يتوب في اليوم مائة مرة، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة».

فهذه النصوص وغيرها ترشد إلى ضرورة التوبة الدائمة، والاستغفار مما وقع فيه المسلم من الذنوب والمعاصي.

3 ـــ حكم التوبة:

ذكر أهل العلم أن التوبة واجبة على الدوام؛ لأن الإنسان لا يخلو من معصية أو ذنب، والذنوب تحجب القلب عن الله تعالى، وتسود بياضه، أما إذا وقع في معصية معينة؛ فيجب عليه أيضًا التوبة من هذه المعصية فورًا والإقلاع عنها.

4 ـــ شروط قبولها:

التوبة أمرها عظيم عند الله ﻷ وأثرها عظيم على العبد، فهي تمحو ذنوبه وتكفرها، وترفع مقامه عند الله تعالى، ولذا من يرجو قبول توبته فعليه أن يأتي بشروط قبولها، وهذه الشروط بحسب نوعية الذنوب.

فإن كانت الذنوب في حق الله تعالى فيجب أن تتوفر فيها الشروط الآتية:

أ – الإقلاع الفوري عن الذنب، والابتعاد عنه.

ب- الندم والتأسف على فعل هذا الذنب.

ج- العزم الصادق على عدم العودة إلى هذا الذنب.

أما إذا كانت الذنوب في حقوق العباد، فيجب إرجاعها إليهم إن كانت حقوقًا مادية أو تحللهم منها إن كانت حقوقًا معنوية، كالغيبة والنميمة والكذب عليهم ونحو ذلك، فإن لم يستطع أن يتحللهم منها أو خشي ترتب ضرر أكبر في إخبارهم، فيكثر من الاستغفار لهم والدعاء لهم، ويثني عليهم في الأماكن التي نقّص من حقوقهم فيها.

5- ومع هذا كله فلا يجوز اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى مهما عظم الذنب، ومهما كثرت الذنوب، فرحمة الله واسعة، ومغفرته شاملة، فلم يبق على المرء إلا أن يكثر من التوبة والإنابة والرجوع إلى الله قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

6- ومما ينبغي عمله أن يكثر المرء من عمل الحسنات بعد السيئة، فعمل الحسنة بعد السيئة تمحوها، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].

7- في هذه الأزمنة المتأخرة كثرت وسائل الترغيب في المعصية، مما يجر ذلك إلى كثرة الوقوع في أمراض القلوب من الشبهات والشهوات؛ ولذا يجب على المسلم أن يتحرى الوسائل المساعدة في عدم الوقوع في هذه المعاصي، ومنها:

أ – استشعار عظمة الله سبحانه وتعالى دائمًا وأبدًا.

ب- المحافظة التامة على فعل الفرائض، فما تقرب عبد إلى الله بأحب مما افترض عليه.

ج- الإكثار من الارتباط بالله عن طريق كثرة قراءة القرآن الكريم وتدبره.

د- المحافظة على الأذكار الشرعية المطلقة والمقيدة.

هـ - عدم قرب  الأمكنة التي تكثر فيها المعاصي.

و- الابتعاد عن مجالسة أصحاب الشهوات والمقاصد السيئة.

ز- الإكثار من مجالسة أهل العلم والفضل والخير فالقوم لا يشقى بهم جليسهم.

ح- الدعاء المستمر لله تعالى بأن يحفظه من الوقوع في هذه المعاصي.



بحث عن بحث