الصدق

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».

وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه  قال: قال صلى الله عليه وسلم : «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو قال حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما».

©  أهمية موضوع الحديثين:

موضوع الحديثين في غاية الأهمية، إذ هو يحدد منهج الإنسان في تعامله مع نفسه، ومع ربه، ومع الآخرين في هذه الحياة.

ونعرض له في النقاط الآتية:

1- تعريف الصدق وما يضاده:

الصدق هو مطابقة الخبر للواقع.

وضده الكذب وهو مخالفة الخبر للواقع.

2- مكانة الصدق وأهميته:

جاء الإسلام بالحث على مكارم الأخلاق، والترغيب في فضائلها، وبيان علو شأنها، وعظم منزلة المتعامل بها في الدنيا والآخرة، ومن عماد الأخلاق ومرتكزاته التعامل بالصدق، والبُعد عن الكذب فهو من أعظم خصال الخير، ومن أكبر عوامل التعامل، وأفضل ما يجب أن يتصف به المسلم، ولذلك كان وصفًا ملازمًا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهم معروفون بذلك، بل ما بعثت الأنبياء وأرسل المرسلون إلا لإحياء مكارم الأخلاق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  في قوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

3- من فضائل الصدق:

الصدق يورث آثارًا حميدة على الفرد الصادق وعلى الأمة المتعاملة بالصدق. ومن ذلكم:

أ- أن الصادق محبوب عند الله تعالى لأن الله تعالى يحب الصادقين، وقد أثنى على الصادقين، بل أمر بالصدق قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. وقال في الثناء على الصادقين: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23].

ب- والصادق محبوب عند الناس أيضًا، فالناس جبلوا على حب التعامل بالصدق والتعامل مع الصادق، لأن الذي يكذبهم القول والفعل لا يرتاحون إليه ولا يطمئنون إلى خبره وقوله، ولا يثقون بالتعامل معه. وما سمي الصديق بهذا الاسم إلا لاشتقاقه من الصدق.

ج- الصدق طريق موصل إلى الصفات الخيرية الأخرى كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  في ما رواه عنه عبد الله بن مسعود: «والصدق يهدي إلى البر».

د- وهو طريق موصل إلى الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام في ما رواه عنه عبد الله بن مسعود ط: «والبر يهدي إلى الجنة».

هـ- أن التعامل بالصدق سبب لنزول الخيرات والبركات كما هو واضح في حديث حكيم بن حزام: «فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما».

4- بم يكون الصدق؟:

يجب أن يعم الصدق جميع أحوال الإنسان فيكون صادقًا في:

أ – قلبه: فلا يخالف ظاهره باطنه، ومن خالف ظاهره باطنه فهو من المنافقين.

ب- فعله: سواء في فعله الذي بينه وبين الله، أو بينه وبين الناس فلا يغش ولا يخادع، ولا يخلف وعدًا، ولا ينقض عهدًا، ولا يخون أمانة.

ج- قوله: فلا تخالف أقواله الواقع، وقد ذمّ الله تعالى من خالفت أقوالهم الواقع، أو أفعالهم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2 كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 – 3].

5- حكم التعامل بالكذب:

الكذب خصلة ذميمة، وصفة مقيتة، وخلق سيئ فما تعامل به متعامل إلا كان مبغضًا عند الله تعالى، منبوذًا عند الناس، ولذلك كان الكذب كبيرة من كبائر الذنوب، فلا يجوز التعامل به أو الاتصاف به.

ويعظم إثم الكذب إذا ترتب عليه ضرر أو فساد، أو كان في جانب من جوانب الشريعة، أو كان كذبًا على الله أو على رسوله صلى الله عليه وسلم .

6- من آثار الكذب الوخيمة:

أ – الكذب خصلة من خصال المنافقين، وصفة من صفاتهم الذميمة لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ويبطنون ما لا يظهرون.

ب- أن صاحبه يكتب عند الله في صحائف الكذابين، فإذا كان الإنسان لا يرضى أن يوصف بالكذب عند الناس، فكيف عند الله إذا عرضت الصحف.

ج- إن الكذب صفة تقود صاحبها إلى النار كما جاء ذلك عن عبد الله بن مسعود: «والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار».

د- إن التعامل بالكذب سبب لمحق البركة في البيع والشراء وغيرها. كما هو واضح من حديث حكيم بن حزام: «وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما».


7- من أنواع الكذب:

تتعدد أنواع الكذب، ومنها:

أ – الكذب على الله تعالى وهو أعظم أنواع الكذب، وأشدها خطرًا على دين الإنسان وذلك كأن يتحدث المرء في دين الله بما لا يعلم قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]. وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [يونس: 69].

ب- الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم  كأن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  قولًا أو فعلًا، أو إلى سنته وهو لم يرد عنه وهو من أعظم أنواع الكذب؛ فعن المغيرة رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».

ج- شهادة الزور وقول الزور: وهو من يدلي بشهادة هو فيها كاذب، وتلك من أكبر الكبائر، كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

د- اليمين الغموس: وهو الحلف في البيع والشراء كاذبًا وهي من أكبر الكبائر.

هـ - الكذب على الآخرين في قوله، أو فعله، وسواء أكان ذلك في مجلس من المجالس، أم في صحيفة أو إذاعة أو أي وسيلة إعلامية أخرى. وكل هذا يعمه وعيد الكذابين.

8- لعظم أثر الكذب يجب أن يتخلص منه تخلصًا تامًّا، ومما يعين على ذلك:

أ – مراقبة الله تعالى وعلمه أن كلامه وقوله وفعله يكتب عليه قال تعالى: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181]. وقال سبحانه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

ب- استشعاره عقوبة الكذابين ومآلهم وخاتمتهم وأنها النار والعياذ بالله.

ج- الاستعانة بالله تعالى ودعاؤه بأن يخلصه من جميع الخصال الذميمة.

د- تصوره محبة الله تعالى والناس للصدق والصادقين.

9- مما يفيده الحديثان أيضًا:

أ – أن يحرص المسلم على الاتصاف بالأخلاق الكريمة والصفات الحميدة.

ب- الجنة هدف عظيم يجب أن يسعى للحصول عليه كل مسلم وأن يبذل ما يستطيع إلى دخولها.

ج- البيع والشراء من التعاملات التجارية بين الناس فيحرص المسلم على أن يظهر فيهما بالصورة الصادقة، والحذر من أن يظهر بالصورة الكاذبة.

د- ثبوت خيار المجلس في البيع ما دام البائعان في المجلس ولم يتفرقا.



بحث عن بحث