المجاهدة

عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته».

©  أهمية هذا الحديث:

هذا الحديث يجعل المسلم متفائلًا في أمور مستقبله، ومحسنًا الظن بربه ﻷ، مما يقوده ذلك إلى مجاهدة نفسه للوصول إلى ما وعد به الله جل وعلا في هذا الحديث الجليل.

©  مسائل الحديث:

1- الموالاة والمعاداة، أو المحبة والبغض أصل في الدين يجب فهمه والعمل به ويمكن تلخيص ما يتعلق بها بما يلي:

أ – الموالاة هي القرب والمحبة، وأولياء الله هم القريبون منه بعمل الطاعات، وتنفيذ الأوامر، والبُعد عن المعاصي، واجتناب النواهي.

والمعاداة: هي البعد عن الله تعالى.

فالموالاة تكون للدين وأهله.

والمعاداة تكون للعاصين والكافرين.

ب- المؤمن يجب أن يحب الدين وأهله، فيحب إخوانه المؤمنين ويحترمهم، ويجب أن يبغض الكفر وأهله، ويبغض الفاسقين والعاصين بقدر ما فيهم من المعصية والفسق. يقول الله تعالى مقررًا هذا المعنى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]. ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56].

ج- فعل الطاعات من واجبات ومستحبات، والبُعد عن المعاصي من الكبائر والصغائر، والبُعد عن المشتبهات وهي صفات تؤهل العبد لأن يكون من أولياء الله الذين يحبهم ويحبونه، ويحب من يحبهم، ويعلن الحرب على من يعاديهم أو يؤذيهم أو يبغضهم، أو يتعرض لهم بسوء أو أذى، فالله تعالى يتولى نصرة أوليائه وتأييدهم.

د- أن من تعرض لأولياء الله بأي أذى صغير أو كبير فقد عرّض نفسه لمعاداة الله تعالى، ومن كان كذلك فقد أعلن الله جل وعلا الحرب عليه.

أ – أولياء الله على قسمين:

1-   الذين تقربوا إلى الله بأداء الفرائض. وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين.

2-   الذين اجتهدوا مع أداء الفرائض بأداء النوافل من الطاعات، والكف عن المكروهات. وهذا القسم أفضل القسمين، وأحب إلى الله تعالى، وأقربها إليه. وعليه فكل ما زاد من النوافل والطاعات، نال ولاية الله أكثر من غيره.

3-   يجب على المسلم أن يجاهد نفسه ليقيمها على طاعة الله تعالى، وليفوز برضى الله جل وعلا، وفي هذا الحديث ترغيب في هذه المجاهدة، ويمكن تفصيلها على النحو الآتي:

أ – المجاهدة، مفاعلة من الجهد، فهي بذل الجهد مع النفس لتستقيم على منهاج الله تعالى في هذه الحياة.

ب – من أهم ما تجاهد به النفس إقامتها لفرض الله تعالى، فما عُبد الله تعالى بأحب مما افترض على عباده المؤمنين، وهذا ما أفاده الحديث بقوله: «ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه».

ج- يلي ذلك مجاهدتها على ما تستطيع من نوافل الطاعات من صلاة وصدقة وبر وإحسان وصيام وعمل خير ودعوة إلى فضيلة، ونصح وإرشاد، وإعانة محتاج، وسد حاجة معوز، وكفالة يتيم، ودعاء وذكر، وزيارة مريض، ومشي مع جنازة، وآداب وأخلاق وغيرها من أبواب الخير والمعروف والبر.

د- مجاهدة النفس على القيام بهذه الأمور من أفضل الأعمال، وباب من أبواب التوفيق والهداية، وسبيل للولوج في طريق الهدى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. فما على المسلم إلا أن يصدق مع الله تعالى، ثم مع نفسه لمجاهدتها على سبيل الخير وأبواب المعروف. وسيجد النتيجة الطيبة، والثمرة اليانعة قريبة.

هـ - مجاهدة النفس تحتاج إلى عوامل تساعد عليها لأنها منزلة عالية، ودرجة رفيعة، ومن هذه العوامل المساعدة.

1-   النية الصادقة لهذه المجاهدة، فيصدق مع نفسه لمجاهدتها فأول خطوة يبدأها المسلم في أي درب من دروب الخير هي النية والعزم، والصدق في ذلك.

2-   تجديد المراد عمله، ووضوح الطريق لسالكه، فمن أراد أن يجاهد نفسه فليحدد ما يريد، ولا يكن أمرًا عامًا، ومن ثم ينقطع به السبيل ويفشل فيما يريد.

3-   البداية بالأهم ثم المهم فلا يحرص على فعل نافلة ويترك فريضة وهكذا.

4-   أن يأخذ من العمل ما يطيق، وما تميل نفسه إليه من الطاعات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ولن يشاد الدين أحدٌ إلَّا غلبه».

5-   الصبر والمصابرة، فطرق الخير شاقة في بدايتها على النفس، لأن النفس تميل إلى الملهيات، وتحقيق الرغبات والأهواء.. فتحتاج إلى صبر قال الشاعر:

لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله             لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَبرا

6-   الدعاء الصادق لله ﻷ في ترويض نفسه، ومجاهدتها، وغلبته عليها، فالدعاء الصادق مجاب، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

و- من حصل على هذه المجاهدة فقد بشره الله سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي بقوله: «ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه...».

ثم إنه يستجاب دعاؤه، وتقبل توبته، ويعطى سؤاله، ويكون الله معه. وهذا فضل عظيم، وعطاء كبير، فمن أوتيه فقد أوتي خيري الدنيا والآخرة.



بحث عن بحث