من حقوق المسلم

عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس».

©  أهمية الحديث:

خلق الله تعالى الخلق، وجعل بينهم ترابطًا متنوعًا، كما جعلهم مختلفي الأجناس، والألوان، والأقطار، ورتب لبعضهم على بعض حقوقًا إذا ما قاموا بها استقامت أحوالهم، وانتشر الأمن والرخاء بينهم، وعمرت ديارهم، وهذا الحديث يذكر بعض هذه الحقوق التي نعرض لشيء من تفصيلها.

©  مسائل الحديث:

1-   إن من مبادئ الإسلام الكبرى أنه أراد من المسلمين أن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر فيتمثلوا الأخوة الإيمانية التي حث الله عليها في كتابه وحث عليها رسوله صلى الله عليه وسلم  في سنته، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. وهذه الأخوة لا ينميها ويعمرها إلا قيام المسلم بحقوق أخيه المسلم الواجبة والمستحبة.

2-   الحق الأول: المذكور في الحديث: السلام. وهو  - أي السلام – تحية المسلمين في الدنيا والآخرة قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 44].

والسلام أن يقول المسلّم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهذه هي الصيغة الكاملة، وأقله: السلام عليكم.

ولهذا السلام فضائل منها: أنه من خصال الإسلام الخيرة، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص م أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم  أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف».

ومنها أنه سبب في إيجاد المحبة والمودة، التي هي سبب لدخول الجنة، كما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».

وفيه حسنات كثيرة وأجور عظيمة فعن عمران بن الحصين رضي الله عنه  أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم   فقال السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «عشر». ثم جاء رجل فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «عشرون». ثم جاء رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه وجلس فقال: «ثلاثون»، والمقصود بذلك الحسنات.

أما حكم السلام فذكر أهل العلم أنه سنة مؤكدة، أما ردّه، فهو واجب فإذا كان المسلَّم عليه واحدًا فيجب عليه عنيًا، وإن كان أكثر من واحد فهو واجب على الكفاية.

ومما ينبغي بيانه أن إبدال هذه التحية بتحيات أخرى مثل: صباح الخير، مساء الخير لا يكفي عنها فهي التي وردت في الكتاب والسنة ومن هنا ينبغي الاعتزاز بها وإظهارها فهي شعار للمسلمين.

3-   الحق الثاني: الوارد في هذا الحديث إجابة الدعوة، وهي مما يزيد في الألفة والمحبة بين المسلمين، وتزرع المودة والقربى، وتزيد الوصل والتقارب وتغسل الأدران التي في النفوس، وتصفي كدر القلوب ولذا جعل الشرع الإجابة إلى أي دعوة مندوبة ندبًا مؤكدًا إلا إذا كانت الدعوة إلى وليمة زواج فهي واجبة ما لم يكن فيها منكر لا يستطيع إزالته.

4-   الحق الثالث: وهو تشميت العاطس، والعطاس مما يعتري الناس كثيرًا وهو من رحمة الله بالعاطس، ولذا شُرِع له إذا عطس أن يحمد الله، فيشمته السامع فيقول: يرحمك الله، ويرد عليه العاطس بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وإذا لم يقل العاطس: الحمد لله، فلا يشمت. وكذا إذا قال لفظًا غير الحمد لله.

5-   الحق الرابع: وهو النصيحة للأخ المسلم وبخاصة إذا طلبها والمقصود بالنصيحة: إرادة الخير للمنصوح له، وهي مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام، وباب من أبواب إشاعة الخير، وإشعار بالمودة والصفاء، ولها فضل عظيم وثواب جزيل، وهي من أحسن القول وأجمل الخطاب، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]. وعن أبي رقية تميم بن أوس الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «الدين النصيحة – قالها ثلاثًا – قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

ومما ينبغي الإشارة إليه في أمر النصيحة أن الناصح عليه أن يختار الألفاظ الطيبة والقول اللين والكلمات المناسبة للمقال، فقد قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. وقال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم : {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

6-   الحق الخامس: عيادة المريض. والمريض هو ذاك الذي ابتلاه الله تعالى بالمرض في جسمه أو نفسه، فقد ابتلي بنوع من الابتلاء ظاهره أنه محنة ولكن نتيجته – مع الصبر والرضا – ينقلب إلى منحة ربانية يؤجر عليها المريض وتكفر سيئاته.

صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا هم إلا جعله الله كفارة لذنوبه».

والمريض يحتاج إلى شد عزمه، وتقوية إرادته فشرعت زيارته وتكرار هذه الزيارة روى عن ثوبان رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خُرفة الجنة حتى يرجع».

ومما يستحب أن يقوله الزائر للمريض: لا بأس طهور إن شاء الله، وعليه أن يخفف على المريض مرضه، ويطيب نفسه، ويدعو له بالشفاء والرحمة.

7-   الحق السادس: اتباع الجنازة، فمن المعلوم أن كل إنسان حي مآله إلى الموت قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 57]. فهو نهاية كل حي ولكن الإسلام الذي كرَّم المسلم حيًّا كرمه ميتًا، فجعل له حقوقًا بعد موته، وفي اتباع جنازة الميت فوائد للتابع والمتبوع، فهي للتابع عظة وعبرة، وللمتبوع دعاء يصله ثوابه بإذن الله تعالى.

8-   ومن الحقوق للمسلم على أخيه المسلم ولم تذكر في هذا الحديث وقد ذكرت في أحاديث أخرى منها: أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومنها نصرته وعدم خذلانه في الحق، والدفاع عن عرضه، وعدم غيبته والقدح فيه، وأن لا يمسه بسوء أو يناله بمكروه، أو يحتقره، أو يسخر به ويستهزئ به، أو ينبزه بلقب سيئ، وعليه أن يتواضع لإخوانه المسلمين، وأن يعاملهم المعاملة الحسنة، وألا يحسد أخاه على نعمة رزقه الله إياها، ولا يبغضه أو يتجسس عليه أو يغشه أو يخادعه أو يؤذيه بأي نوع من الإيذاء، أو يظلمه، وعلى المسلم توقير الكبير ورحمة الصغير وعون الضعيف، ومساعدة المحتاج، وستر العيب، والعفو عن الزلة، والإهداء إليه، والدعاء له. وكل هذه الحقوق وردت فيها نصوص من القرآن والسنة المطهرة.



بحث عن بحث