الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «من رأى منكم منكرًا فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».

وعن النعمان بن بشير م عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا».

©  أهمية الحديثين:

هذان الحديثان يتحدثان في موضوع غاية في الأهمية، أطلق عليه بعض أهل العلم: الركن السادس من أركان الإسلام، ذلك أنه الحصن القوي، والحاجز المنيع من تسلل المنكرات والرذائل والبدع إلى المجتمع المسلم، وهو الأساس المتين الذي ينمي في المجتمع كل خير، ويحميه من كل شر.

©  مسائل الحديثين:

1-   المعروف: هو كل أمر خير من الأقوال والأفعال والاعتقادات مما أمر به الشارع.

والمنكر: ضده فهو كل أمر شر من الأقوال والأفعال والاعتقادات نهى عنه الشارع.

ومن هذا التعريف نلحظ أمرين:

أ – شمول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لجميع أبواب الدين، فما كان خيرًا أمر به، وما كان غير ذلك نهى عنه.

ب – أن السبيل لمعرفة المعروف والمنكر هو الشرع، فما عده الشرع معروفًا فهو كذلك، وما عده منكرًا فهو كذلك. سواء عده الناس كذلك أم خالف تصوراتهم.

2- حكم الأمر بالمعروف:

دلَّ هذان الحديثان وغيرهما من الآيات والأحاديث على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذا إجماع الأمة على ذلك.

فأما دلالة الحديث الأول: فهي بالأمر في قوله: «فليغيره»، والأمر يقتضي الوجوب.

وأما دلالة الحديث الثاني فإنه رتب صلى الله عليه وسلم  الهلاك على عدم الأخذ على أيدي السفهاء، وهذا يدل على أهمية إنكار المنكر ووجوبه. ومن الأدلة أيضًا قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر مجمع الأمة أن تكون منهم طائفة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. يقول الغزالي: «ولتكن: أمر، وظاهر الأمر الإيجاب».

أما الإجماع على وجوبه فقد ذكره غير واحد من أهل العلم، يقول القرطبي :: «أجمع المسلمون فيما ذكر ابن عبد البر أن المنكر واجب تغييره على كل مسلم من قدر عليه».

لكن هل هذا الوجوب كفائي أو عيني؟ الذي عليه جمهور أهل العلم أن الواجب كفائي، يقول ابن العربي الفقيه المالكي : حول قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]: في هذه الآية دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية.

وبهذا تبين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي إذا قام به من الأمة من يكفي سقط الإثم عن الباقين.

3- أهميته وفضله:

يقول الغزالي في الإحياء: «فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد».

وجاء في فضله آيات وأحاديث كثيرة ومن ذلك قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].

ويقول سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. فجعل القائمين على هذه الشعيرة هم خير الناس.

والأمر بالمعروف سبب للنجاة من مصائب الدنيا وعقوبات الآخرة يقول تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165].

وترك الأمر بالمعروف سبب للعن الله تعالى وغضبه ومقته وحلول عقابه في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿78 كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78- 79].

4- دلَّ الحديث الأول على درجات إنكار المنكر، وذلك على النحو الآتي:

أ – الإنكار باليد لمن له ذلك ويستطيعه، وهذا مثل ولي الأمر، فله أن يغلق المحل الذي يبيع محرمًا، وله أن يريق الخمر وهكذا، ومثل والي البيت كالوالد، فله أن يضرب إذا احتاج الأمر إلى ذلك، ومثله من يوليه الوالي ولاية الحسبة، فله الإنكار باليد في حدود صلاحياته.

ب- الإنكار باللسان، إذا لم يستطع الإنكار باليد ولم يكن من أهله. وهذا بابه واسع وأكثر الأدلة في الدعوة إلى الله وفي النصيحة تؤيد ذلك وتؤكد عليه، وذلك مثل النصيحة المباشرة – الموعظة العامة – الكتابة لشخص أو أشخاص – وهكذا.

ج- الإنكار بالقلب: وذلك إذا لم يستطع الإنكار باللسان، وعلامة ذلك بغض المنكَر الذي هو فيه، والقيام من المجلس إن استطاع ولم يترتب على خروجه ضرر أكبر، وأن ترى علامة الإنكار وعدم الرضا على وجهه.

5- دلَّ الحديث الثاني على هلاك الأمة بأكملها إذا لم ينكروا المنكر، فقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم  المجتمع بالسفينة، والسفينة يجب أن تكون محكمة، ولا يُستقى الماء من البحر إلا من أعلى، فالذين أسفل السفينة يجب أن يصعدوا، ثم يستقوا من الماء، فإذا تكاسلوا عن الصعود وخرقوا في أسفلها خرقًا على البحر دخل الماء إلى السفينة ومن ثم أغرقها، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا، وإن تركوهم هلكوا جميعًا»، فالعابثون في المجتمع إن لم ينكر عليهم هلك المجتمع جميعًا، وإن أنكر عليهم نجوا جميعًا.

6- مما ينبغي معرفته أن يكون المنكِر مؤمنًا مكلفًا قادرًا على التعريف والإنكار عالـمًا بما ينكر، متخلفًا بالأخلاق الحسنة ومتعاملًا بالمعاملة الطيبة، متصفًا بالرفق واللين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر».

ومما يتأكد معرفته مراعاة المصالح والمفاسد في الإنكار، يقول العلامة الشنقيطي :: «يشترط في جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر، لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين».



بحث عن بحث