حق الطريق

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إياكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر».

©  أهمية الحديث:

يهدف الإسلام إلى رقي المجتمع المسلم عن طريق الحث على السمو الأخلاقي، وحذر من كل ما يخدش هذا السمو وشدّد في الإنكار عليه، ومن ذلك ما يفعله بعض الناس من إفساد الأماكن العامة كالطرق والحدائق فسادًا حسيًّا أو معنويًّا، فجاءت النصوص الشرعية محذرة من ذلك، ومنها هذا الحديث.

©  مسائل الحديث:

1-    دين الإسلام دين التكامل والشمول، فما من شيء من حاجات النفس البشرية إلا وقد لبّاه بما يصلحها ويقومها، وما من نظام تغلب مصلحته على مفسدته إلا وقد رغّب فيه، وفي هذا الحديث يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم  تشريعًا واضحًا في أمر قد يغفل عنه كثير من الناس وهو الطريق وما في حكمه.

2-    للآخرين حق عليك، ورعاية حقوقهم من الآداب العظيمة التي ندب إليها الإسلام، وأوجب مراعاتها، فهم يشاركونك في أحقية الطريق، والشارع، والحديقة، والمساحات الفضائية وغيرها، فالواجب على المسلم مراعاة هذه الحقوق.

3-    الأصل في الطرقات والأفنية العامة أنها ليست للجلوس لأن الجلوس له أضرار كثيرة، ومنها:

أ – إيذاء الآخرين بالسب والغمز واللمز.

ب- التعرض للفتنة بما يسلط عليه الجالس نظره كالنظر للأجنبيات.

ج- الاطلاع على الأحوال الخاصة للناس.

د- ضياع الأوقات بما لا فائدة منه.

وكل هذه آفات خطيرة تفتك بالقلوب، وتفسد العلاقات الاجتماعية، وتعكر صفو المجتمع وأخوته الإسلامية.

4-    إذا كان لابد من الجلوس فليعلم الجالس أن للطريق ومثله الحديقة العامة وغيرها حقوقًا كثيرة عرض الرسول صلى الله عليه وسلم  لبعضها في هذا الحديث، وهي:

أ- غض البصر عن النظر إلى المحرمات؛ لأن الطريق يمر به الرجال والنساء، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].

ب- كف الأذى عن المارة، بجميع أنواع الأذى الحسي أو المعنوي، فما كان مؤذيًا يجب اجتنابه.

ج- رد السلام، وهومن الواجبات المحتمات على أهل الطريق، قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]. أما ابتداء السلام فهو سنة مستحبة، والسلام تحية المسلمين.

د- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الطريق عرضة لما يستوجب ذلك، وقد عرّفنا أهميته وعظم فضله، وبيان حكمه.

هناك آداب أخرى للطريق وردت في بعض النصوص الأخرى مثل: تشميت العاطس، وإغاثة الملهوف، وإعانة العاجز، وهداية الحيران، ورد الظلم، نظمها الحافظ ابن حجر بقوله:

جمعت آداب من رام الجلوس على
أفش السلام وأحسن في الكلام
في الحمل عاون، ومظلومًا أعن وأغث
بالعرف مُر، وانه عن منكر، وكف أذى
  الطريق من قول خير الخلق إنسانا
وشمّت عاطسًا، وسلامًا رد إحسانا
لهفان، اهد سبيلًا واهد حيرانا
وغض طرفًا وأكثر ذكر مولانا



بحث عن بحث