لأن الأصل في العلم أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن المشايخ وأفواه الرجال.

إذا رمت العلوم بغير شيخ
وتلتبس الأمور عليك حتى

  ضللت عن الصراط المستقيم
تصير أضلّ من «توما الحكيم»

هذا الدين مبني على التلقي، فلا يمكن أن يقرأ القرآن شخص فيجيده دون أن يقرأه على شيخ مقرئ، فالله سبحانه وتعالى لقّنه جبريل عليه السلام، وجبريل لقنه محمدًا صلى الله عليه وسلم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم  لقنه الصحابة رضوان الله عليهم، وهكذا.

فالاعتماد على الكتب وحدها لا يكفي، قال بعض السلف: من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه.

وقال بعض العلماء: «كان العلم في صدور العلماء ثم انتقل إلى الكتب وبقيت مفاتحه بأيدي العلماء».

وقال الشيخ بكر أبو زيد: «وهذا يكاد يكون محل إجماع كلمة من أهل العلم».

يقول الشيخ العلامة محمد العثيمين :: «مما ينبغي على طالب العلم مراعاته أن يتلقى العلم عن الأشياخ؛ لأنه يستفيد بذلك فائدتين، بل أكثر:

n    الفائدة الأولى: اختصار الطريق: فبدلًا من أن يذهب يقلب في بطون الكتب وينظر ما هو الراجح وسبب رجحانه؟ وما هو القول الضعيف؟ وما سبب ضعفه؟ هذه لقمة سائغة، فالمعلم يقول: اختلف العلماء في كذا على قولين أو ثلاثة أو أكثر، والراجح كذا، والدليل كذا، وهذا لا شك أنه نافع لطالب العلم.

n    الفائدة الثانية: السرعة: يعني سرعة الإدراك، لأن الإنسان إذا كان يقرأ على عالم فإنه يدرك بسرعة أكثر ممن ذهب يقرأ في الكتب، لأنه إذا ذهب يقرأ يردد العبارة أربع أو خمس مرات، وربما فهم أيضًا على وجه خطأ غير صحيح.

n    الفائدة الثالثة: الرابطة بين طالب العلم ومعلمه، فيكون ارتباط بين أهل العلم من الصغر والكبر). ا.هـ.

                         وقد شدد السلف في ذلك؛ لأن الأمر دين، يقوله النووي في مقدمة المجموع.

                         ولاختيار الشيخ المعلم مقاييس عدة إلا أنها ترجع إلى مقياسين:

العلم وله جانبان:

أولها: الخدمة في العلم وأهليته فيه، قال النووي :: «ولا يأخذ العلم – أي: المتعلم- إلا ممن كملت أهليته».

الثاني: المعرفة بطرائق التعليم، وإجادة التربية في التعليم، يقول السيد بدران في «المدخل»: «ينبغي أن يكون - أي المعلم - حكيما يتصرف في طرق التعليم بحسب ما يراه موافقًا لاستعداد المتعلم وإلا ضاع الوقت بقليل من الفائدة، وربما لم توجد الفائدة أصلًا!!».

وهذا الجانب - أي جانب العلم - سمّاه الشاطبي «التربية العلمية» حيث يقول: «ويتصور ذلك فيمن يتبجّح بذكر المسائل العلمية لمن ليس من أهلها أو ذكر كبائر المسائل لمن لا يحتمل عقله إلا صغارها، على ضد التربية المشروعة، فمثل هذا يوقع في مصائب، ومن أجلها قال علي: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)، فلا يصح للعالم في التربية العلمية إلا المحافظة على هذه المعاني، وإلا لم يكن مربيا، واحتاج إلى عالم يربّيه».

والثاني: صلاحية الشيخ للاقتداء به في الدين والخلق وما إليها، يقول ابن جماعة في التذكرة: «ولا يرغب الطالب في زيادة العلم – أي: من شيخ- مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل.

ولهذا يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: «لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، وكان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعلمه، وإن كان غيره أعلم منه».

                         فينبغي لطالب العلم إعمال ذينك المقياسين عند إرادة التتلمذ على أحد من الناس، وإذا كان الإنسان في مسيرته العادية في الحياة يحتاج إلى دليل ومرشد فكيف بهذا العلم الذي أحوج ما يكون لمرشد يدل على الطريق الصحيح.

وقيل فيمن يأخذ العلم عن الكتب: من دخل في العلم وحده، خرج وحده. أي من دخل في طلب العلم بلا شيخ خرج منه بلا علم، فالمتعلم من الكتاب، عرضة للخطأ والتصحيف، وزوغان البصر ونحو ذلك.

قال القائل:

من لم يشافه عالمًا بأصوله

  فيقينه في المشكلات ظنون

ومن لم يأخذ العلم عن أهله فسيقع في هفوات، وربما تنزلق به في مخاطر عظيمة فضلًا عن بطء الفهم، وفوات بدهيات العلم المتأصلة عن الشيخ، ثم هو يفقد القدوة التي يقتدي بها ويحاكيها.

ففي القراءة على الشيخ سرعة الفهم، والسلامة من التصحيف والتحريف، وجودة القدوة.

فليحذر طالب العلم من الاستقلالية في طلب العلم لئلا يقع في تلك المزالق الخطيرة، والانحرافات الكثيرة، قال الصفدي: ولهذا قال العلماء: لا تأخذ العلم من صحفي ولا من مصحفي يعني لا تقرأ القرآن على من قرأ من المصحف ولا الحديث وغيره على من أخذ ذلك من الصحف.

وبعد أن اتضح لك أهمية التلقي عن المشايخ، فبادر قبل أن تبحث عنهم فلا تجدهم.



بحث عن بحث