r  رابعًا: ومن التجديد استخدام الوسائل المستجدة في الساحة:

إن الزمن الذي نعيش فيه عصر التقنية والاختراعات العلمية، فهذا فضل من الله تبارك وتعالى وحده، وهذه الاختراعات والابتكارات والتقنية الهائلة قد سهلت كثيرًا من الأمور في عالمنا اليوم، ويعيش الإنسان حاليًا في عصر يسهل عليه الحصول على أي مادة أو معلومة في وقت قياسي قصير وبأسرع الطرق.

وهذه التقنية يمكن استعمالها في الخير وفي الشر، ولكن ما نراه في واقعنا اليوم أن أعداءنا يستعملونها في الشر وفي إفساد الشعوب الإسلامية دينيًا وخلقيًا، مما أحدث فجوةً بين الإسلام وبين العاملين بها، وبالأخص بين الشباب الذين هم الثروة النابضة للأمة، وما نراه من الاعوجاج الخُلقي، والبعد عن الدين، والاغترار بالحضارة الغربية المادية ما هو إلا أثر من آثار استعمال هذه التقنية الجديدة في الشر وفي الإفساد، فالمفروض أن تكون هذه التقنية نعمة، ولكن جعلناها نقمةً، فالله المستعان!

فلذا نقول: إن أي وسيلة جديدة يجب الإفادة منها, لا مطلق الاندفاع للجديد, ولا مطلق الرد لاستنكار الجديد. وإذا اجتهد مجتهد فرأى أن استعمال هذه الوسائل في الدعوة له أثر محمود، وعنده أدلة في هذا الأمر، فالذي نرى: عدم الاستعجال في الحكم مع عدم لوم المجتهد مادام أنه اجتهد مع بيان الدليل.

وفيما يلي نعرض بعض الوسائل الجديدة التي يمكن استعمالها في المجال الدعوي, فمنها:

n    استعمال وسائل التوصيل في المجال الدعوي: ومنها السيارات المسرعة، والقطارات والطائرات والبواخر وغيرها، ومن ثم إيصال الكلمة إلى الناس، وكذالك إرسال الكتب والرسائل والمطويات وغيرها إلى المستفيدين. وبالفعل بدأ بعض مكاتب الجاليات يستعمل السيارات التي يسمونها «السيارات الدعوية» حيث توجد فيها كمية كبيرة من الكتب والمطويات والرسائل والنشرات، وتوزع في المواسم مثل موسم الحج، وموسم رمضان وغيرها، وهذا شيء محمود، ونود أن يكثر استعمالها في مثل هذه النشاطات، ويطور إلى الأفضل.

n    الجوال الدعوي: يمكن استعمال هذه الوسيلة الحديثة في المجال الدعوي في التوجيه والنصح والإرشاد إلى من يملك الجوال، وبإرسال رسائل قصيرة تشتمل على التوجيه والتذكير، وفي أيامنا هذه نادرًا ما يوجد شخص الذي لا يحوز على جوالٍ، فيا حبذا لو استعملناه في المجال الدعوي، وبالأخص بعض شركات مزودي الخدمة تغري المستخدمين بإعطاء مدة من الزمن للمكالمات مجانًا، وكذلك كمية غير قليلة من الرسائل المجانية، لذا نرى لزامًا على الجميع وبالأخص على الدعاة أن يغتنموا هذه الفرصة، ويستعملوها في ما يعود نفعها على الأمة في الدنيا وفي الآخرة.

n    استعمال الإنترنت: الشبكة العنكبوتية العالمية التي تسمى «الإنترنت» وسيلة حديثة، غزت كل بلد وكل قرية بل وكل بيت ولعله كل فرد، وهي أيضًا «سلاح ذو حدين»، فمن الناس من يستعملها في الخير, ومنهم من يستعملها في الشر، ومنهم من يستعملها في المباح، ومنهم من يستفيد منها فوائد مادية وتجارية وغيرها، فالدعوة أحرى أن تستخدم هذه الوسيلة العظيمة النفع.

ولعل من الفائدة أن نذكر: استشعارًا بأهمية هذه الوسيلة واستخدامها في المجال العلمي والمجال الدعوي قمنا بافتتاح موقعٍ متخصصٍ للسنة التي تهتم بالسنة وعلومها، والسيرة النبوية والشمائل المحمدية.

n    البريد الإلكتروني: وهذه الوسيلة تأتي ضمن الإنترنت، ويمكن استعمالها في المجال الدعوي، متمثلًا في إرسال الرسائل الدعوية واستقبالها من الآخرين، والاستفتاء من المشايخ عبر هذه الوسيلة، وكذا النصائح, والتوجيهات, والتنبيهات, والمراسلات الخاصة, والفوائد وغيرها.

n    استعمال شاشة التلفزيون: كما نعلم أن التلفزيون سلاح ذو حدين، وإن كان أغلب استعماله في هذه الأيام في الشر، ولكن يمكن أن يستعمل في الخير كثيرًا، وبالأخص أن كثيرًا من الناس يستقبلون القنوات الأجنبية لأنهم لا يجدون بديلًا جيدًا عنها، فإذا وجدوا بديلًا عنها لما تطرقوا إليها.

ولا شك أن استعمال هذه الوسيلة يحتاج إلى صاحب علمٍ وورعٍ وذكاءٍ في كيفية استعمالها وفق الضوابط الشرعية، ولكن في الحكم بمنعها على العموم منع لكثير من الفوائد، وحرمان لوصول الخير إلى كثير من أفراد الأمة، ومرةً أخرى أكرّر أن هذا الحكم ليس على إطلاقه بل وفق ضوابط وشروط معتبرة عند المحققين من علماء هذه الأمة.

ويمكن استعمالها في المجال الدعوي من نواحي كثيرة، منها: نشر الدروس، والمحاضرات، وأمثالها، والأناشيد، وكذا المناسب شرعًا من التمثيل، والصور الإلكترونية، ونشر الصور الحية لمواسم الحج وموسم رمضان، وكذلك نشر الصلوات الخمس وصلاة وخطبة الجمعة من الحرمين, وغيرها كثير مما يكون أثرها واضحًا على المشاهد.

ومن القواعد الفقهية: «تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة». والأدلة عليها من الكتاب والسنة كثيرة، فعن أم كُلثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ, أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله  صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ, وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الحَرْبُ, وَالإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ, وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ المَرْأَةِ زَوْجَهَا».

فرخّص النبي  صلى الله عليه وسلم  الكذب في هذه المواقع الثلاثة؛ لأن مصلحة الحرب، والإصلاح بين الناس، وبين الزوجين أرجح من مفسدة الكذب. والإسلام يحرص على الوفاق والوئام؛ لأنه يستنتج منه فوائد كثيرة، كما يحذر من التفرقة والخلاف؛ لأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة.

ومثله في عالم اليوم: كأن يعمل الداعية أو المربي لمشروعٍ تربويٍ ولو أدى إلى مفسدة مرجوحة، لكن إذا كانت المصلحة من هذا المشروع ظاهرة فيقدم، وعلى هذا كثير من أحكام الشريعة، ومنها استعمال شاشة التلفزيون في المجال الدعوي، بأن تقام محطات خاصة لهذا الغرض، أو تستفاد من المحطات الموجودة في الساحة إن كانت الفرص متاحة، وخلت المشاركة من المحظورات الشرعية.

n    استعمال الإذاعة المسموعة:

إن استعمال الإذاعة المسموعة أيضًا من الوسائل الحديثة, ولكنها أقدم مقارنةً بالإنترنت والتلفزيون، ولكن مما لاشك فيه أن التطور والتقنية ما زالت مستمرةً فيه، فيمكن أن نستفيد منه في الدعوة بإقامة محطات الإذاعة الخاصة للدعوة، أو تستفاد من الإذاعات الأخرى التي تهيئ الفرصة لاستغلالها في الدعوة. والحمد لله كثير من المشايخ بدءوا يستعملون هذه الوسيلة في المجال الدعوي، حيث تنشر لهم دروس ومحاضرات وكلمات توجيهية وغيرها من المشاركات البناءة التي تفيد الأمة في دينها ودنياها، ومن المعلوم أنه يوجد أقطار متعددة من العالم الإسلامي لا يوجد فيها ولو إذاعة محلية.

n    النشرات, والمطويات, واللوحات، والبطاقات وأمثالها:

هذه الوسائل من الأدوات ذات التأثير البين على مستويات متعددة، وتستميل عقول الفئة المثقفة وغير المثقفة، ويمكن الإبداع والتجديد في تطويرها وتنويعها، ووصولها إلى أقاصي الدنيا، بأساليب متنوعة ولغات متعددة، فتدخل كل بيت وتبقى عند كل فرد سهلة الحمل.

ما ذكرنا هي بعض الوسائل المستجدة في الساحة التي يمكن استخدامها في المجال الدعوي، لكي يعم النفع وينشر الخير، وتثبت الحجة، وتكون كلمة الله هي العليا, والله عزيز حكيم.

وأحسب أن هذه الوسائل والأساليب وأمثالها إذا طورت واستخدمت بأنواع الاستخدامات أنها من التجديد الجزئي في وسائل الدعوة، فيعم فيها النفع والخير، ويظهر أثرها الإيجابي، فيكون صاحبها من المجددين فيها.

وبعد: فما سبق هو إلماحة لشيء من وسائل التجديد في الدعوة ووسائلها وأساليبها، ولعلي ألمح هنا إلى بعض المقترحات في مجال التجديد بعامة في مجالات متعددة:

1- إنشاء مراكز بحوث ودراسات متعددة الجوانب تعطي دراسات، ومن ثم خلاصات لما تحتاجه الدعوة والمسلمون بعامة، والبشرية أجمع، هذه الخلاصات تفيد اختصار الجهود والوقت.

2- إنشاء مجامع علمية متخصصة ذات مستوى متعدد النفع، يكون من مهامها: تلخيص العلوم، وتشجيع الإبداع، ونشر البحوث الشرعية المتميزة، ووضع جوائز كبيرة المعنى، كجائزة الملك فيصل، وجائزة الأمير نايف للسنة النبوية، وغيرها.

3- تطوير المجامع الفقهية لتعمل باستمرار لبحث النوازل المعاصرة سياسية - اقتصادية - اجتماعية- فضلًا عن العقدية والفقهية بعامة، حتى لا نترك المجال للاجتهادات الفردية المستعجلة.

4- الإبداع في استخدام التقنية لخدمة العلوم الشرعية والاجتماعية.

5- تربية عدد من طلاب العلم النابهين المبدعين الذين يُرجى نفعهم على مستوى الأمة بكاملها.

6- تشجيع الإبداع في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، سواء في تطوير بعض الوسائل، أو في إيجاد مجالات لحل المشكلات الصغرى على مستوى الأفراد، والكبرى على مستوى المجتمعات.



بحث عن بحث