الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على الرسول النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من المعلوم في الشرع أن الإيمان قول وعمل واعتقاد؛ قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، فمجرد القول باللسان لا ينفع الإنسان حتى يصدقه العمل، والعمل هو الذي يدل على ما في قلب العبد من قوة الاعتقاد، ولذا فقد قرن الله تعالى بين الإيمان والعمل في القرآن الكريم اثنتين وستين مرة، وكلما خاطب المؤمنين بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إما أن يأمرهم بمعروف، أو ينهاهم عن منكر، أو يرشدهم إلى ما فيه نفعهم، مثل قوله تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 254]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: 9]، فالإيمان إنما ينفع صاحبه إذا قارنه العمل.

والدنيا هي دار العمل يتزود منها عباد الرحمن من الخير بالأعمال الصالحة، وسيندم المفرطون إذا انتقلوا من هذه الدار ولم يتزودوا منها لآخرتهم ما يسعدهم، وحينئذ لا يمكن الاستدراك ولا يتمكن العبد أن يزيد في حسناته مثقال ذرة، فعلى المسلم أن يستغل هذه الحياة ويمضيها في الأعمال الصالحة، وقد كان النبي  صلى الله عليه وسلم  كان يحث على الأعمال الصالحة في كل مناسبة، ويستخدم كل الأساليب، فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» قال الأعمش: وحدثني عمرو بن مرة عن خيثمة مثله وزاد فيه: «ولو بكلمة طيبة».

وفي هذا الحديث حث النبي صلى الله عليه وسلم  أمته على اتقاء النار ولو بالشيء اليسير كشق التمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة كما في رواية أخرى، فيتبين من هذا الحديث: أن من أعظم المنجيات من النار الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل والمال، وأن العبد لا ينبغي له أن يحتقر من المعروف شيئًا قليلًا.

والكلمة الطيبة تشمل: النصيحة للخلق بتعليمهم ما يجهلون وإرشادهم إلى مصالحهم الدينية والدنيوية، وتشمل الكلام المسر للقلوب، الشارح للصدور.

وعند أحمد والترمذي عن عبد الله بن بسر أن أعرابيًا قال: يا رسول الله! من خير الناس؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله».

قال الطيبي رحمه الله: «إن الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر فينبغي أن يتجر فيما يربح فيه، وكلما كان رأس ماله كثيرًا كان الربح أكثر، فمن انتفع من عمره بأن حسن عمله فقد فاز وأفلح، ومن أضاع رأس ماله لم يربح وخسر خسرانًا مبينًا».

والعمل الصالح ينقسم إلى: فرض، ونفل، والفرض ما كتبه الله على العباد وافترضه عليهم ويعاقَبون على تركهم له، والنفل: هو ما لم يفترض الله عليهم من الأعمال الصالحة، ولكن استحسنه في كتابه وعلى لسان رسوله  صلى الله عليه وسلم ، ويجزي العبد على عمله ولا يعاقب على تركه.

هذا تقسيم للأعمال الصالحة من حيث حكمها وجوبًا واستحبابًا، وتقسيم آخر ينقسم فيه العمل الصالح من حيث قصور نفعه وتعديه، فينقسم إلى قسمين: عمل خاص بالعبد لا يتعدى نفعه لغيره، وعمل ينتفع العبد به ويتعدى نفعه أيضًا للآخرين.

ولا شك أن الأعمال التي يتعدى نفعها للآخرين تفضل على الأعمال التي يقتصر نفعها على عاملها فقط، وأحيانًا يزيد فضل العمل المتعدي نفعه على غيره من الأعمال التي لا يتعدى نفعها بكثير من الدرجات التي تفوق التصور.

ومن ناحية أخرى: فالذي لا يقوم بما ينفع الآخرين ويخذلهم في حاجتهم ولا ينصرهم يعاقبه الله بجنس عمله والعياذ بالله، عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري ب قالا: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته». وفي مسند الإمام أحمد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذله الله عزَّ وجلَّ على رؤوس الخلائق يوم القيامة».

وفي هذه الرسالة نتناول هذا المعنى العظيم الذي هو نفع الآخرين من منطلق قوله عليه الصلاة والسلام: «خير الناس أنفعهم للناس»، مجلِّين هذا المعنى من الناحية الشرعية، وبعض الصور الواقعية، والمجالات المتعددة المتاحة للقيام بهذه الوظيفة الكبيرة، أسأل الله تعالى أن ينفع بها.

وما جاءت هذه الرسالة إلا استجابة لطلب القائمين على الملتقى الأول للجمعيات الخيرية، وعلى رأسهم معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية الأستاذ الدكتور/ علي بن إبراهيم النملة الذي أوكل إليه ولاة الأمر في هذا البلد ـ حفظهم الله ـ أمانة القيام بالأعمال الاجتماعية، وكذلك سعادة الوكيل للشؤون الاجتماعية الأستاذ/عوض بن بنيه الردادي الذين يباشرون هذه الأعمال الاجتماعية الإنسانية، فأثاب الله الجميع، وسدد أقوالهم وأعمالهم، وشكر لهم سعيهم وزادهم حرصًا وإخلاصًا وتوفيقًا.

والشكر موصول إلى اللجنة العلمية في الملتقى الأول للجمعيات الخيرية ورئيسها سعادة الدكتور/عبد الله بن ناصر السدحان، على حرصهم على تكامل جوانب الطرح العلمي في الملتقى.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه

أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

المشرف العام على موقع شبكة السنة وعلومها

البريد الإلكتروني : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث