الأهداف من العمل النافع للآخرين كثيرة، والآثار كذلك، ولا بد أن تكون هذه الأهداف وتلك الآثار في بال من يقوم بها لكي يحظى بخيري الدنيا والآخرة، نذكر منها:

1 ـ ابتغاء رضا الرب سبحانه، وهو أهم الأهداف من القيام بالعمل المتعدي نفعه؛ بل كل عمل خيري يستدعي صاحبه الإخلاص، وأن يكون هدفه ابتغاء رضا الله تعالى، وبالتالي من قام بهذا العمل الخير رياءً وسمعةً، أو أتبع هذا العمل المنَّ والأذى؛ فلا أجر له؛ بل يخشى عليه العذاب والعياذ بالله! قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿262قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴿263يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }[البقرة: 262 ـ 264].

2 ـ علاج مشكلة الفقر، والفقر آثاره خطيرة وسيئة للغاية على الفرد والمجتمع؛ بل هو سبيل إلى الكفر، عن أنس رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «كاد الفقر أن يكون كفرًا، وكاد الحسد أن يغلب القدر». ولكن المجتمع الذي تكثر فيه الأعمال المتعدي نفعها يقل فيه بل يندر الفقر ومشكلاته بإذن الله. فتصور -أخي المسلم!- أن الجيران إذا تكافلوا لسد عوز الفقراء منهم فلا شك أن حاجتهم ستخف، فكيف إذا تكاتف المجتمع كله عن طريق الجمعيات الخيرية وفروعها؟! فالأمر أعظم، والأجر أكثر، والفقر أخف.

3 ـ تقليل دوافع الجريمة؛ لأن كثيرًا من الجرائم إنما ترتكب لعدم توفر أسباب المعيشة، ولكن الأعمال المتعدي نفعها تقلل من آثار هذه الدوافع، إذ الفقير قد يعتدي على الغني لما يرى من الثراء الطائل عنده والفقير ليس عنده ما يسد به رمق الجوع، وما يملك سقفًا يسكن تحته، ولكن إذا رأى هذا الغني أحسن إليه استحيا أن يعتدي عليه أو على أمواله وممتلكاته.

4 ـ التقليل من مخاطر الحياة من الافتقار والاحتياج، أو العجز عن سداد الديون، أو العجز عن العمل، أو البطالة، أو المرض، أو الشيخوخة، أو احتياج اليتامى والأرامل بوفاة عائلهم، والإسلام بنظامه الاجتماعي المميز وحث أهله على التكافل الاجتماعي يتغلب على هذه المخاطر بدون خوف ولا مذلة، فمثلًا: الافتقار والاحتياج يتغلب عليه بدفع الزكاة وأنواع من الصدقات للمحتاج حتى يستغني عن التسول في الشوارع والمساجد، يقول الماوردي: «يدفع إلى الفقير والمسكين من الزكاة ما يخرج به من اسم الفقر والمسكنة إلى أدنى مراتب الغنى».

أما المريض والذي لا يقدر على العمل فيعالجه الإسلام بتقديم المعونة لهم حتى الاستغناء عن سؤال الناس، فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: أن يرفعوا إليه اسم كل أعمى أو مقعد أو من به فالج أو زمانة تحول بينه وبين الصلاة، ثم أمر لكل أعمى بقائد، ولكل اثنين من الزمنى بخادم، كما خصص راتبًا شهريًا للعاجزين عن العمل والمسنين، كما أعطى الوليد بن عبد الملك المجذومين حتى أغناهم عن سؤال الناس، وأعطى كل مقعد خادمًا، وكل ضرير قائدًا. كما صالح خالد بن الوليد أهل الحيرة على كفالة كل عامل ضعف عن العمل لكبر أو مرض أو افتقر بطرح الجزية عنه وإعالته هو وعياله من بيت مال المسلمين.

5 ــ إدخال السرور في قلب الأخ المسلم، قال النبي  صلى الله عليه وسلم  : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: «وحديث أنس الذي نتكلم الآن فيه يدل على أن المؤمن يسره ما يسر أخاه المؤمن، ويريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه من الخير، وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغل والغش والحسد، فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في خير، أو يساويه فيه؛ لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله وينفرد بها عنهم، والإيمان يقتضي خلاف ذلك، وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء».

6 ـ نصرة الحق وتقويته، ولا يخفى على مسلم ما للأعمال المتعدي نفعها من تأثير ظاهر في نشر الدين، وقيام الكثير من المناشط الدعوية والعلمية، والأعمال التي يقارع بها الشر، ويذاد بها عن حياض الدين، والواقع خير شاهد؛ إذ يشاهد كل ذي بصر أن الأعمال الدعوية والخيرية في أرجاء الأرض المعمورة إنما تقوم بصنائع المعروف والمساعدات الإنسانية والأعمال التي تفيد الآخرين، وهذه الأعمال لو توقفت لكان ذلك سببًا لحرمان البشرية جمعاء من صنوف كثيرة من الخير.



بحث عن بحث