الحج شعيرة أو تهريج

 

الحمد لله الذي شرع لنا هذا الدين, وأكمله وأتمه القائل :(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا), وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين, أما بعد:

فها هو الحج يعود علينا هذا العام بنفحاته وخيراته وفضائله وآثاره, وظلاله الوارفة, وجميع قلوب المسلمين تهفوا للبيت العتيق لأداء الشعيرة العظيمة: الحج أو العمرة أو لزيارة المسجد الحرام والصلاة فيه, وطلب الأجر والمثوبة.

أقول: ها هو موسم الحج يعود هذا العام, لنقف معه الوقفات التالية:

 

الوقفة الأولى:

الحج عبادة عظيمة, وشعيرة كبيرة, فرضها الله تعالى على المستطيع من عباده في كتابه الكريم, (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الإسلام كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما المشهور: (بني الإسلام على خمس), وذكر منها (حج البيت من استطاع إليه سبيلا).

هذه الشعيرة هي عبادة لله سبحانه, وهذا يعني أنه يتوجب على المسلم الحاج استشعار هذه العبودية لله سبحانه, فليس الحج مجرد حركات لا فقه لها, بل هي لعبادة الله استسلاماً وانقياداً, كما قال الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عندما قبَّل الحجر الأسود: (والله إني لأعلم أنك حجر ، لا تضر ولا تنفع ، ولكن رأيت رسول الله يقبلك فقبلتك), وهذا تحقيق لمعنى الاستسلام لله سبحانه, فيما شرع سبحانه من عبادات, كما أن هذه الأعمال في الحج تحقق ذكر الله سبحانه وتعالى فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما جعل الطواف بالبيت ، وبين الصفا و المروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله), وهذا يؤكد أن الله سبحانه شرع ذكره في كل منسك وبعد كل منسك كما في قوله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام), وكان هذا هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم في المشاعر كلها, وقال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم).

إن من أجل المهمات في الحج بل وفي كل عبادة أن يستشعر المسلم ذلك, فهذا الشعور يولد الحافز نحو التمسك بالسنة, وقوة التأثر بهذه العبادة, واستغلال الوقت بالطاعات الكبرى, ومن ثم طلب القبول والرضوان.

 

الوقفة الثانية:

 إن من أعظم آثار الحج العظيمة:

- الفوز بالجنة: (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).

- غفران الذنوب: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).

- قبول الدعاء, فالمسلم يعيش في زمان فاضل, ومكان فاضل, وفي حال فاضل, فحري أن يستجاب دعاؤه.

- رفعة الدرجات وتكثير الحسنات فالمسلم يعيش في الحرم الذي تتضاعف فيه الحسنات أضعافاً مضاعفة فالصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حري بالمسلم أن يجعل هذه الآثار العظيمة بين عينيه ليجتهد في حجه وعمرته ومناسكه, فيرجو قبوله وينعم بهذه الآثار العظيمة في دنياه وآخرته.

 

الوقفة الثالثة:

إن من أهم علامات القبول:

- إخلاص هذه العبودية لله سبحانه وتجريدها له سبحانه دون ابتغاء أي غاية أخرى, هكذا أمر الله سبحانه كما قال سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين),(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وحذر سبحانه من إشراك غيره معه قال سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

- العمل وفق ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: القائل (خذوا عني مناسككم).

وهذا يؤكد على المسلم الحرص على تعلم فقه المناسك, وما يجوز وما لا يجوز ليكون حجه صحيحاً, كما يؤكد البعد عن تتبع التشدد في ما يشد على النفس, أو تتبع الرخص فهذان طرفان قد يخرجان الحاج عن مسيرة الحج الصحيحة إلى الوقوع في محاذير تحول دون قبول حجه.

 

- البعد عن محظورات الحج وموانعه ومحرماته التي يجمعها قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) وكذا المحظورات التى ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-سئل: ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ( لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس ) متفق عليه، واللفظ لمسلم

 

الوقفة الرابعة:

من بدهي القول ونحن نستقبل هذه الشعيرة العظيمة التحذير من صرف الحج من كونه شعيرة عبادية يرجى قبولها من الله سبحانه إلى أن يكون فرصة للعبث السياسي، والدعاية لدول معينة ترفع شعارات كاذبة، تصرف الحج عن عبودية الله تعالى إلى استغلال هذا التجمع الإسلامي نحو غايات دنيوية باطلة، تبث فيها أحقاد وضغائن، وقد سبق معنا في الوقفات السابقة أن الحج عبادة أدَّاها النبي صلى الله عليه وسلم برغب ورهب وقال : ( خذوا عني مناسككم ) ، إن ما يسمع في بعض وسائل الاعلام من التهريج والعبث يؤكد على المسلم الحذر من الوقوع في هذه المزالق حتى لايعرض نفسه لعدم القبول، بل يعرض نفسه للعقوبة في الدنيا والآخرة، ونذكِّر هنا بقوله تعالى : ( ومن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) والإلحاد هنا هو الميل عن طاعة الله سبحانه والوقوع في معاصيه، فكيف إذا كان هذا الإلحاد جماعياً والضرر جماعاً أيضا فالعقوبة أشد.

 

الوقفة الخامسة:

لعل من شكر الله تعالى على نعمه أن يشكر جميع العاملين في خدمة الحج والحجيج، ابتداء بولاة الأمر في هذا البلد الكريم، إلى كل من يقدم خدمة علمية أو توجيه أوخدماتيه ونحوها فجزاهم الله خيراً وأثابهم وأعانهم وسددهم، وتقبل من الحجاج حجهم وجعله حجاً مبروراً وسعيهم سعياً مشكوراً، وبلغهم أمانيهم في الدنيا والآخرة، وكفانا شرا المفسدين والحاقدين، إنه على كل شيء قدير

 

وصلى الله وسلم على نبينا ومحمد وعلى آله وصحبة اجميعين

 



بحث عن بحث