السنة و الحج

 

من المتقرر في دين الله عز وجل أن السنة النبوية مصدر أساس من مصادر التشريع الإسلامي فهي والقرآن الكريم صنوان لا ينفك أحدهما عن الآخر وقد تضافرت الأدلة من القرآن الكريم على ذلك بصيغ مختلفة مثل قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وهذا أمر صريح لا يقبل الجدل في وجوب تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم و الوقوف عند نهيه. وقوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وقد تكرر الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وقرنها بطاعة الله عز وجل. وفي صيغة أخرى يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وفي صيغة أخرى يأمر الله تعالى برد التنازع إليه وإليه فقال سبحانه: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ).

وبناء على هذه الأدلة وغيرها أجمع أهل العلم- كما حكاه الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة وابن حزم في الأحكام والشوكاني في إرشاد الفحول وغيرهم- على وجوب العمل بالسنة النبوية في جميع شؤون الحياة من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية وجنايات ومقاضاة وغيرها , و الحذر من مخالفتها.

هذا أصل متقرر يجب على المسلم اعتقاده والعمل به وعدم الحيدة عنه أو التحايل عليه و الحذر من مخالفته وأن يتربى المسلم على ذلك ويمارسه بكل استسلام وطمأنينة وراحة ويحتسب الأجر في ذلك كله قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).

*    *    *

والحج من أعظم العبادات بل هو الركن الخامس من أركان الإسلام رتب الله سبحانه وتعالى من الفضائل له ما يجعل النفوس تشرأب إليه وتتمنى أن تحج كل عام لما فيه من الخير العظيم في الدنيا و الآخرة لمن تقبله الله تعالى.

ومن هنا ندرك أن من أهم عوامل القبول اقتفاء السنة في الحج والحرص على ذلك , وكلنا يعلم أن أسس القبول عند الله تعالى بعد إيمان العبد تجريد العمل لله تعالى وتوجيهه له جل وعلا واتباع النبي صلى الله عليه وسلم فهو القدوة و الأسوة و المبلغ عن الله جل وعلا وهو الصورة العملية لتطبيق الإسلام.

وجاء تأكيد الحج وفق السنة بعد التأكيد المذكور آنفاً من عدة زوايا من أهمها:-

الأولى: تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعد كل منسك: (خذوا عني مناسككم) وعندما يكون الأمر أوسع يأتي البيان كما قال عليه الصلاة والسلام: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف)، (ارفعوا عن بطن عرفة).

الثانية: حرص الصحابة رضوان الله عليهم على تتبع حجة النبي صلى الله عليه وسلم مما يغرس في نفس الحاج  هذا الحرص ليكمل الاقتداء.

الثالث: كثرة النصوص الواردة في فضل الحج وما يترتب عليه من الثواب في الدنيا و الآخرة يزرع في النفس الحرص على الوصول إلى هذا الثواب العظيم الذي لا يتم إلا بالاقتداء و التأسي بالحبيب عليه الصلاة والسلام.

*    *    *

ويبقي سؤال في غاية الأهمية مالمراد بمفهوم العمل بالسنة في الحج؟

وأقول هذا السؤال مهم جداً لأن الكثيرين يفهمون أن العمل بالسنة هو في حرفية الاقتداء حتى لو ترتب عليه أضرار على الحج نفسه أو على الآخرين وأُمثّل لذلك بتقبيل الحجر الأسود فهو سنة فإذا أراد الحاج العمل بهذه السنة حتى ولو زاحم الآخرين وأضر بنفسه وبهم فهذا خروج عن العمل بالسنة.

ومن هنا أقول أن العمل بالسنة هو في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حجته ومن المفيد أن أبين أمور لها علاقة بالعمل بالسنة هنا:-

1- أن كل ما كان داخلاً ضمن العمل بالدليل الشرعي فهو من السنة إن شاء الله وبحسب المثال السابق فإن من راعى الزحام وترك تقبيل الحجر الأسود وأشار إليه فيعتبر من السنة لأن هذا العمل عملاً مبنياَ على الدليل الشرعي.

2- مراعاة الأفضل، إذا كان العمل بالأفضل مستطاعاً فهو في دائرة العلو من السنة، غير أنه لا يقدح في غيره إذا كان عمله وفق الدليل الشرعي، فقد يكون العمل فاضلاً في حق شخص ومفضولا في حق شخص آخر.

3- الحج عبادة جماعية فردية , فالفرد غير منفك عن جماعة الحجاج , ومن هنا كثرت الرخص في الحج , والله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه كما جاء ذلك في الأثر , فإذا كان كذلك فالعمل بالرخصة لا يخرجها من دائرة العمل بالسنة كما يتبادر إلى أذهان بعض الحجاج، وذلك مثل: النفرة من مزدلفة آخر الليل , رخصة من الرخص لمن احتاج إلى ذلك , فعمل المحتاج لها كبعض الحملات , والمجموعات , لا يخرجها من دائرة العمل بالسنة.

ومن هنا وجب علينا فقه السنة في الحج حتى نكسب الأجر , ولا نحيد عن السنة , ولا نتحمل مالا نطيق أو نضر بالآخرين بناء على مفهوم العمل بالسنة.

 

ومن الأدوات المعنية على العمل بالسنة ما يلي:-

1- التفقه بالحج قبل الحج.

2- استشعار عظمة هذه الشعيرة العظيمة.

3- القراءة والاطلاع في الحج , والسؤال عما يشكل.

4- النية الصادقة في أداء هذا الحج.

5- فهم مقاصد الحج في النفس والمجتمع.

6- الموازنة بين الأعمال في الحج وبخاصة من يخدمون الحجاج من أصحاب الحملات والطوافات وغيرهم.

7- صحبة الحجاج المهتمين بالعمل بالسنة.

8- الدعاء , واللجوء إلى الله تعالى بأن يفقهه في الحج ويؤديه على الوجه المشروع.

 

ولعلي أختم ونحن نتحدث عن السنة في الحج أن أذكر جملة أمور تخدش في العمل بالسنة في الحج  ومنها:-

 

1- التقصد لعمل المحظورات وبالذات المحظورات المعنوية مثل المعاصي والجدال , والغيبة والنميمة والكذب وغيرها, ناهيك عن غيرها كالجماع وداوعيه.

2- الاستهتار النفسي في شعائر الحج فهذا يحبط العمل.

3- الشد على النفس في منعها من أخذ الرخص مع الحاجة إليها.

4- التفريط في الواجبات كالصلاة.

5- التغليظ على الآخرين , والقدح في أعمالهم.

6- اتباع الرخص والأخف دائما.

7- ضياع الأوقات المفيدة.

8- التفريط في حقوق الآخرين

9- السير في الحج على جهل ودون سؤال.

  

وبعد: فأسأل الله تعالى أن يعين الجميع على أداء الحج وفق السنة وأن ييسره عليهم وأن يتقبل منهم حجهم ودعاءهم وإنفاقهم وحرصهم , وأن يجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً إنه سميع قريب..

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم



بحث عن بحث