قال لي صاحبي

الحلقة (3)

 

   قال لي صاحبي: عجبا مما ذكرت في مسامرتنا السابقة، وما أشرت إليه من معالم ذاك المنهج الغالي، وعندما تأملت ما ذكرت تصورت خطورة هذا المنهج على الفرد، والمجتمع، بل على الدين نفسه، وما أكتمك سراً، بل فيه اتهام لله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أنهم لم يبلغوا الدين للناس على الوجه الصحيح. والله جل وعلا قال في محكم التنزيل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)، والرسول صلى الله عليه وسلم  قال في الحديث الصحيح: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) ولكن مع مواصلة تأملاتي فيما ذكرت خطرت لي خواطر متعددة في معالجة هذا المنهج، فهلا استمعت لي وقومت ما أذكره، فقد سجلت عددا من النقاط من زوايا مختلفة كزاوية الشباب أنفسهم، وزاوية العلماء والدعاة والمفكرين، وزاوية أولياء الأمور من آباء وأمهات، وإخوة وأخوات، وزاوية المؤسسات التربوية وغيرها، ولعلي لا أطيل لكي استمع إلى تقويمك لها.

أما المعالجة عن طريق الشباب أنفسهم فأذكرهم في النقاط الآتية:-

1- لا شك أن الله سبحانه وتعالى كلف الإنسان منذ بلوغه سن التكليف. الذي سيسأله الله عنه، وسيحاسبه عليه، وبناءً ًعليه: على هذا الإنسان أن يحرص على إعداد الجواب الصحيح لهذه المحاسبة، ومن أهمها عبادة الله تعالى على بصيرة. فمن أهم معالم مسيرة الحياة الصحيحة، والمستقيمة والمنجية في الدنيا والآخرة، والعمل الصحيح المبني على  الحرص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد تحرير العبادة لله سبحانه وتعالى والإخلاص له، وتجريده من جميع النوايا الأخرى،. وقد أكد الله سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً).

2- ومن أهم معالم المنهج الصحيح: التعليم، والمقصود به طلب العلم الشرعي الصحيح من أهله، فالدين بني على العلم، والنجاة في الدنيا والآخرة بنيت على العلم، وخشية الله تعالى بنيت على العلم، ولست بحاجة هنا إلى أن استفيض في ذكر النصوص القرآنية والنبوية في بيان أهمية العلم وضرورته وحاجة الفرد والمجتمع إليه أشد من حاجة الطعام والشراب.

 

ولكن أشير هنا إلى مسألة في بيان أهمية العلم أنه بني على التلقي فالله جل وعلا لقنه جبريل عله السلام، وجبريل لقنه محمداً صلى الله عليه وسلم ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقنه وعلمه أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، وهكذا يتناقل العلم من جيل إلى جيل فهو ميراث الأنبياء والمرسلين (العلماء ورثة الأنبياء).

 

وعليه من أراد السير على المنهج الصحيح فليلزم العلم الصحيح، الذي يتلقى عن أهله المعروفين بالعلم وتلقوه جيلا بعد جيل.

 

3- ومن معالم المنهج الصحيح إدراك القواعد الصحيحة في مسائل الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لاشك أن الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الدين العليا، وصمام الأمان للأفراد والمجتمعات، وبه سبيل النجاة لسفينة المجتمع كله.، وله من الفضائل والمزايا ما يجل عن الحصر.

 

ولكن ليعلم أن الدعوة لا تكون صحيحة إلا إذا كانت وفق منهج صحيح مبني على الكتاب والسنة كما تمثلها النبي صلى الله عليه وسلم فليتعلم الشاب وطالب والعلم هذه القواعد ليسير في مناهج صحيح.

 

4- ومن أهو مقرارات المنهج الصحيح للشاب المسلم حرصه على العواصم من القواصم والمخارج من الفتن ومن أهمها الحرص على الجماعة وعدم الشذوذ والفرقة ، فيد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، وهذه الجماعة المجتمعة على ولي الأمر من العلماء والأمراء. كما صحت بذلك الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

5-  أما خامس المعالم ولعلي أختم بها للشاب المسلم أن يدرك حسن منهجية التعامل مع الله تعالى، ثم مع نفسه، ومع أهله ومع علمائه، ومع الناس عموما مسلمين وغير مسلمين، فالإسلام دين المنهجية الصحيحة المبنية على العقيدة الصافية والشريعة الواضحة النقية، والأخلاق العالية الزكية، وكلها ترسم منهجية التعامل الذي يجب أن يتعلمه الشاب ويقتفيه ويترجمه لواقعه العملي.

 

ولعلي بعد ذلك أنطلق إلى نقاط المعالجة من زاوية العلماء والدعاة والمفكرين. لألخصها فيما يلي:-

1- واجب العلماء والدعاة واجب عظيم ائتمنهم الله تعالى على حمل هذه الرسالة العظيمة ، و أمرهم بتبليغها ونشرها ورتب على ذلك الأجر العظيم، والرفعة في الدنيا والآخرة.

ومن عناصر هذه الأمانة نشر ما تحملوه، ومعالجة كل ظاهرة تحرف الناس عن مسار الدين الصحيح.

ومن الظواهر التي تحتاج إلى معالجة هذه الظاهرة ظاهرة الغلو الموصل للتكفير، ومن ثم إلى التفجير والتدمير. وعليه فأول الواجبات استشعار هذه الظاهرة، وتصورها، وتصور خطرها، ووضع الوسائل المناسبة لمعالجتها، والقدوة عليه الصلاة والسلام أول من قام خطيبا لما ظهرت هذه البادرة في مجتمعة فقال عليه الصلاة والسلام: (ما بال أقوام..) ثم ذكر مقالته، وختم بقوله صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فلس مني).

 

2- تلقي الشباب والطلاب بكل رحابة صدر وتحمل، ليلقوا لديهم من أسئلة واستفسارات، ومشكلات وقضايا، فإن لم يتم ذلك ذهب هؤلاء إلى الطرق المجهولة فضلوا وأضلوا.

3- محاورة هؤلاء وغيرهم بالتي هي أحسن كما أمر الله تعالى وكما فعل رسوله صلى الله عليه وسلم.

4- تناول القضايا كتابة وخطابة وتدريساً بشي من التفصيل والبيان، فلكل زمان قضاياه ومشكلاته وفتنه التي تحتاج إلى شي من التفصيل مع الحكمة في العرض فلكل مقام مقال.

5- التعاون مع هؤلاء الشباب فيما ينفعهم وإشغاله بما يفيد وتكليفهم بما يرفع من مستواهم، وتشجيعهم على الايجابي والمفيد، وتجنب التقريع والتوبيخ لما ينتج من عواقب غير سليمة. جزا الله تعالى علمائنا كل خير على جهودهم وسددهم وأعلا مقامهم

وما قلته في حق العلماء والدعاة الربانين يقال في حق المؤسسات التعليمة والتربوية ممثلة برجالها المخلصين العاملين، ويضاف إليه: تكريس المناشط النافعة التي يملأ فيها الشباب أوقاتهم، ويبصرون بها طريقهم، وتقويم هذه المناشط بين فترة وأخرى، والاستفادة من طاقتهم في مثل حفظ القرآن الكريم، ودراسة تفسيره، وحفظ شيء من السنة النبوية ودراسة شيء من شرحها. ولعلي أشيد هنا بما تقوم به وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية أو تشرف عليه من مناشط في تحفيظ القرآن الكريم والدورات العلمية، والمحاضرات، والمكاتب الدعوية، والمخيمات المتعددة المناشط، وغيرها  وكذا ما تقوم به بقية المؤسسات التربوية والتعلمية، فجزاهم الله خيرا ونفع بهذه الجهود.

 

ولعلي أختم بالتذكير في عظم مسؤولية الآباء والأمهات وأولياء الأمور، وأذكرهم – سريعا – بما يلي لعله يسهم في الوقاية من الوقوع في هذه الظواهر أو معالجتها إذا وقعت ومما أذكّرهم به:-

 

1-        استشعار عظم مسؤولية التربية.

2-        العيش مع أبنائهم في كل مشاعرهم الايجابية والسلبية فتفّعل الايجابيات، وتعالج السلبيات

3-        وضع البرامج المناسبة لكل منهم.

4-        استشعار الأبناء والبنات والإخوة والأخوات بالاهتمام بهم.

5-        وضع الحوافز لما يقومون به من إيجابيات.

6-        التعرف على معلميهم والتعاون معهم، والتعرف على أصدقائهم وما يتبادلونه من أفكار.

7-        عدم تهميشهم في مسار حياتهم، ومشاورتهم فيما يخصهم ولو كان أمرا يسيرا.

8-        التعلق على الظواهر في المجتمع واستلهام آرائهم.

9-        دراسة ما يطرحون من آراء، ومناقشتهم فيه.

10-   تهيئته الجو المناسب لمناشطهم، وما يحققون به مواهبهم.

11-   الدعاء لهم بالصلاح والهداية والتوفيق.

 

وبعد فلعلي أطلت عليك بعض الشيء، ولكني حريص على أن استفيد من تقويمك.

 

قلت: بارك الله فيك. ودراسة متأمل فعلا، وأفدت وأجدت فلعلها تجد أذنا أو آذانا صاغية ليستفاد مما  ذكرت، وأعدك بمواصلة المحاورة في المنهج المقابل... ولكن بعد الحج بإذن الله تعالى فالجميع مشغول معه.

 

سدد الله الخطى وبارك في الجهود..

 

وإلى لقاء آخر..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم....



بحث عن بحث