ثمار يانعات من حديث

إن الله يبعث لهذه الأمة كل مائة سنة من يجدد لها دينها

 

الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، المبعوث رحمةً للعالمين، الذي أخرج الله به البشر من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وبعد:

فقد تجولنا في رحاب هذا الحديث الشريف الذي يحتوي على معاني عظيمة، ومفاهيم عالية، وبشائر خيرة، وفضائل عميمة لهذه الأمة؛ ومما اقتطفنا به من الثمار اليانعة لهذا الحديث:

أن الإسلام دين الله ﻷ تكفل الله بحفظه:

فهو باقٍ إلى يوم الدين، لا يعتريه نقص ولا زيادة، فإن حاول أحد النيل منه، فإنه يهيئ أقوامًا يصدون لهذا الزيغ، ويكشفون النقاب عن الباطل، حتى يظهر للناس أبيض نقيًا كما أنزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد هذا الدين؛ فإنها وقت مظنة ذهاب العلماء، واندراس السُّنَن، وظهور البدع؛ فيحتاج حينئذٍ إلى تجديد الدِّين، فيأتي الله تعالى من عباده بمن يُظهر هذا الدين بصورته النقية إلى العالم، وينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

 

وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على المؤمنين رؤوفًا رحيمًا بهم:

حيث بين لهذه الأمة ما تحتاج إليه في دينها ودنياها، وبلّغ شريعة الله إليهم بكاملها، وبشرهم بأن هذا الدين غالب إلى يوم القيامة، وهو يعلو ولا يعلى عليه؛ كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[سورة الفتح:28].

 

وأن هذه الأمة من أفضل الأمم، ولها فضائل جمة:

وأنها آخرة في الدنيا، ولكنها سابقة في الآخرة، وأنها أكثر أهل الجنة عددًا، وغيرها من الفضائل كثير.

 

ومن فضائل هذه الأمة:

أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، وقد تكلمنا عن معنى التجديد لغةً واصطلاحًا، وعن بعض المفاهيم الخاطئة في التجديد، وعن أوصاف المجدد، وعن وقت بعث المجدد، وهل هو واحد أو أكثر؟ فبيَّنَّا أن وقت بعث المجدد هو رأس مائة سنة؛ لأنه مصرّح به في النص، وليس لنا أن نصرف هذا النص إلى معنى آخر إلا بدليل، وليس عندنا دليل يصرفه عن هذا، وأما المجدد فهو واحد أو أكثر؟ فالذي ظهر لنا بعد إمعان النظر في النص، أنه يمكن أن يكون المجدد أكثر من واحد؛ لأن جميع المجددين الذين ذكروا لم يكونوا مختصين في جميع المجالات، بل كان كل واحدٍ منهم مختصًّا في بعض الجوانب، وإن كانت هذه المسألة ليست من المسائل التي يضر فيها الاختلاف.

 

كما تطرقنا إلى البحث عن شمولية الشريعة:

وأن هذه الشريعة تحثّ على الاختراعات والابتكارات بخلاف النصرانية، التي نصبت العداء ضد العلم والعلماء في القرون الوسطى، وأما الإسلام فقد حثّ على العلم والتعلّم والتعليم من يوم أول ما نزل الوحي؛ وهو قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [سورة العلق:1- 5].

 

وقبل الختام:

تحدثنا بشيء من الإيجاز عن التجديد في وسائل الدعوة، مع بيان الحكم لاستخدام الوسائل المستجدة في الساحة، والحث عليها، مع بعض المقترحات العامة في مجال التجديد، ثم الخاتمة.

 

وبعد أخي القارئ الكريم:

هل يمكن أن تكون من المجددين؟ وهل هذه غاية بعيدة المنال؟ ولا يمكن الوصول إليها؟ أحسب أن الموفق أمثالك بالنية الخالصة، والعزم الصادق، والجدّ في العمل، والتخطيط السليم، ووضوح الرؤية، والخُلق الفاضل، والحلم والصبر والتحمل، والتجرد من (الأنا)، ومحبة الآخرين، وتحديد الهدف أو الأهداف، والبعد عن حظوظ النفس الأمارة بالسوء، وصدق التعبد لله ﻷ.

 

أقول:

أحسب أن من تجتمع فيه هذه العوامل حريٌّ أن يكون من المجددين بعد توفيق الله جل وعلا، وعلى الموفق أن ينوي ويبدأ العمل، وسيكون التوفيق حليفه بإذن الله، فابدأ وفقك الله، وسددك، وبلّغك أمنيتك.

أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الكلمات، وأن يجعلها من المدخرات في الحياة وبعد الممات، حقق الله الآمال وسدد الخطى، وعلمنا ما ينفعنا، ونفعنا بما علمنا؛ إنه عليم حكيم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

المشرف العام على موقع شبكة السنة وعلومها

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث