قصر صلاتي الظهر و العصر في عرفة

 

 

اتفق العلماء على أن من كان سفره طويلا، فإن له القصر في عرفة، و لكنهم اختلفوا في جواز قصر من كان سفره قصيرا سواء كان من أهل مكة أو من أهل منى أو من غيرهم على قولين:

 

 

القول الأول: إنه يجوز لمن كان سفره قصيرا قصر صلاتي الظهر و العصر بعرفة، و هو قول الإمام مالك([1])، و القاسم بن محمد و سالم و الأوزاعي[2])).

 

واستدلوا بما يأتي:

1-ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى الظهر ركعتين و صلى العصر ركعتين أيضا في عرفة و معه أهل مكة، فصلوا بصلاته قصرا و جمعا بلا ريب، و لم يأمرهم بالإتمام و لا بترك الجمع ، و كذلك فعل أصحابه و سائر الأمراء من بعهم فإنهم لم يصلوا في تلك المشاهد كلها إلا قصرا، فعلم أن ذلك سنة الموضع.

 

2- لأن من الصحابة و الأمراء من كان مكيا و غير مكي، وفي هذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة ، و لا بأيام معلومة ، و إنما التأثير لما جعله الله سببا و هو السفر([3]).

 

3-نقل عن ابن عمر رضي الله عنه أنه دخل مكة فأتم الصلاة ، ثم قصرها لما خرج إلى منى و عرفة([4]).

 

و أجيب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن ابن عمر رضي الله عنه كان مسافرا له القصر ، فقصر في موضع وأتم في آخر و ذلك جائز(([5].

 

الوجه الثاني: أنه لو كان قد أقام بمكة فإن خروجه إلى منى و عرفة ابتداء سفر تقصر فيه الصلاة، إذا عزم أن برجع و لا يقيم بمكة([6]).

 

القول الثاني: إنه لا يجوز قصر الصلاة في عرفة لمن كان سفره قصيرا ، بل عليه أن يتم، وبه قال الحنفية([7]) وبعض المالكية([8])، و الشافعية[9])) ، و الحنابلة([10]).

 

واستدلوا بما يأتي:

1-ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يصلي بمكة ركعتين، لكنه يأمر أهلها بالإتمام و يقول: (يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر)([11]) فكذلك يتمون الصلاة في عرفة، وإنما ترك إعلامهم بذلك اكتفاء بقوله في مكة.

 

 

و أجيب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف. لأنه من رواية علي بن زيد بن جدعان و هو ضعيف فلا يحتج به.

 

الوجه الثاني: أن هذا الحديث كان في غزاة الفتح ، و صلاة النبي صلى الله عليه و سلم غي عرفة كانت في حجة الوداع و كان لابد من بيان ذلك في عرفة لبعد العهد بينهما([12]).فدل على أن القصر حق لكل من كان بعرفة لفعله صلى الله عليه و سلم و من صلى خلفه من أهل مكة.

 

قال ابن القيم رحمه الله: ( و من قال: إنه قال لهم "أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر" فقد غلط فيه غلطا بينا، و وهم وهما قبيحا، و إنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة ، حيث كانوا في ديارهم مقيمين).(([13]

 

2-أجمع العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر و العصر يوم عرفة جمعا و قصرا، و أجمعوا على أنه كان يومئذ مسافرا ، و لم ينو إقامة، لأنه أكمل عمل حجه و عجل الانصراف([14]).

 

و يجاب عنه: بأنه ليس في ذلك دليل على عدم جواز القصر لمن كان سفره قصيرا، لأن أهل مكة صلوا بصلاة الرسول صلى الله عليه و سلم قصرا و جمعا، و لم يأمرهم بالإتمام.

 

3- أنهم في غير سفر بعيد، فلم يجز لهم القصر كغير من في عرفة ومزدلفة([15]).

 

و يجاب عنه: أن قياسكم هذا قياس فاسد، لأنه قياس على أصل مختلف فيه ، و هو اشتراط قصر الصلاة للسفر البعيد في غير عرفة و مزدلفة، و هذه مسألة مختلف فيها، والصحيح أن مجرد السفر هو سبب مبيح لقصر الصلاة فبطل الدليل.

 

والذي يظهر والله أعلم أن كلا القولين قويان، فإن قصر أهل مكة من الحجاج فلهم وجه، وإن لم يقصروا فلهم وجه، والله أعلم.


1) ينظر: التمهيد 10/13.

2) ينظر: المغني 3/207.

3) ينظر:زاد المعاد 2/234- 235 ، التمهيد 10/14.

4) ينظر: المجموع 8/96 ، المغني 3/207.

1) ينظر: المجموع 8/96.

2) ينظر: المغني 3/207.

3) ينظر: انظر: المغني 3/207.

4) ينظر: حاشية ابن عابدين 2/505 ، المبسوط للسرخسي 4/15 ، بدائع الصنائع 2/152.

5) ينظر: التمهيد10/19 ، المدونة الكبرى 1/172 ، كفاية الطالب 1/176 ، الفواكه الرواني 1/361.

6) ينظر المجموع 8/91 ، روضة الطالبين 2/93 ، مغني المحتاج 1؟ 497 ، حاشية البجيرمي 2/129.

7) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب متى يتم المسافر، حديث (1229).

8) ينظر: المجموع 8/96 .

1) ينظر: زاد المعاد 2/234.

2) ينظر: التمهيد 10/13.

3) ينظر: المغني 3/207 .



بحث عن بحث