فوات الوقوف بعرفة (2)

 

 

المسألة الثالثة: هل يلزم من فاته الحج القضاء من قابل؟

القول الأول: ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يلزمه القضاء من قابل سواء كان الفائت واجبًا أو تطوعًا روي ذلك عن عمر وابنه وزيد وابن عباس وابن الزبير وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي([1]).

 

وحجتهم:

أ‌-                 إجماع الصحابة وما رواه الدارقطني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فاته عرفات فاته الحج فليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل"([2]).

 

ب‌-           لأن الحج يلزم بالشروع فيه فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات([3]).

 

   القول الثاني: لا يجب عليه القضاء وهو قول أحمد وإحدى الروايتين عن مالك([4]).

 

وحجتهم:

أ‌-                 أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج أكثر من مرة قال: "بل مرة واحدة"، ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة.

 

ب‌-           ولأنه معذور في ترك إتمام حجه فلم يلزمه القضاء كالمحصر ولأنها   تطوع إن كانت نفلاً فلم يجب قضاؤها كسائر التطوعات([5]).

والراجح فيما يظهر _والله أعلم_ ما ذهب إليه أصحاب القول الأول.

 

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يجب عليه القضاء وذلك لأن الإنسان إذا شرع في النسك صار واجبا وهذا من خصائص الحج والعمرة أن فعلها يجب المضي فيه بخلاف غيرهما كأنما نذره نذرا وإلى هذا يشير قوله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق)([6]).

 

وعلى هذا فيجب القضاء سواء كان ذلك تطوعا أم واجبا بأصل الشرع وهو الفريضة أو بالنذر لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" وعليه هدي في عام القضاء([7]).

 

 

المسألة الرابعة: هل يلزم من فاته الوقوف هدي؟

اختلف أهل العلم في ذلك:

القول الأول: ذهب جماهير العلماء إلى وجوب الهدي([8]).

 

 

واستدلوا بما يلي:

أ‌-                 ما رواه عطاء مرسلاً: "من فاته الحج فعليه دم"([9]).

 

ب‌-           أن عمر رضي الله عنه أوجب على من فاته الحج الهدي حينما أمر أبا أيوب كما تقدم.

 

ت‌-           أنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه هدي كالمحصر والمحصر لم يفت حجه فإنه يحل قبل فواته، إذا ثبت هذا فإنه يخرج الهدي في سنة القضاء إن قلنا بوجوب القضاء وإلا أخرجه في عامه([10]).

 

القول الثاني: لا يلزمه هدي وهذا مذهب الأحناف والرواية الثانية عن أحمد([11]).

 

واستدلوا بما يلي:

أ‌-                 حديث ابن عمر المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فاته عرفات فقد فاته الحج وليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل".

ب‌-           لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي للزم المحصر هديان للفوات والإحصار([12]).

 

ولا شك أن الأحوط هو القول الأول، والله أعلم.


([1]) ينظر التمهيد (10/12)، والمغني (5/426).

([2]) تقدم تخريجه.

([3]) ينظر المغني (5/426).

([4]) ينظر المغني 5/427، هداية السالك (3/1312).

([5]) ينظر المغني (5/427).

([6])سورة الحج: (21).

([7]) ينظر الشرح الممتع (7/544، 545).

([8]) ينظرالمغني (5/427)، والمدونة (2/374)، هداية السالك (3/1312)، الشرح الممتع (7/445).

([9]) ينظر الإرواء (4/345).

([10]) ينظر المغني (5/427، 428).

([11]) ينظر المغني (5/427) وبدائع الصنائع (2/351) ، هداية السالك (3/1313).

([12]) ينظر المغني (5/427).



بحث عن بحث