حدود إنكار المنكر

 

ما هي حدود إنكار المنكر: وَلَيْسَ لِلْآمِرِ بِالمَعْرُوفِ البَحْث وَالتَّنْقِير وَالتَّجَسُّس وَاقْتِحَام الدُّور بِالظُّنُونِ، بَلْ إِنْ عَثَرَ عَلَى مُنْكَر غَيَّرَهُ جَهْده. هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ. وَقَالَ أَقْضَى الْقُضَاة المَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَبْحَث عَمَّا لَمْ يَظْهَر مِن المُحَرَّمَات. فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اِسْتِسْرَار قَوْم بِهَا لِأَمَارَة وَآثَار ظَهَرَتْ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ. أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي اِنْتَهَاك حُرْمَة يَفُوت اِسْتِدْرَاكهَا، مِثْل أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقَ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلهُ، أَوْ بِامْرَأَةِ لِيَزْنِيَ بِهَا؛ فَيَجُوز لَهُ فِي مِثْل هَذَا الْحَال أَنْ يَتَجَسَّسَ، وَيُقْدِم عَلَى الْكَشْف وَالْبَحْث حَذَرًا مِنْ فَوَات مَا لَا يُسْتَدْرَك. وَكَذَا لَوْ عَرَفَ ذَلِكَ غَيْرُ المُحْتَسِبِ مِن المُتَطَوِّعَة جَازَ لَهُم الإقْدَام عَلَى الْكَشْف وَالْإِنْكَار. الضَّرْب الثَّانِي: مَا قَصُرَ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَة فَلَا يَجُوز التَّجَسُّس عَلَيْهِ، وَلَا كَشْف الْأَسْتَار عَنْهُ. فَإِنْ سَمِعَ أَصْوَات المَلَاهِي المُنْكَرَة مِنْ دَارٍ أَنْكَرَهَا خَارِج الدَّار لَمْ يَهْجُم عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّ المُنْكَر ظَاهِر وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِف عَن الْبَاطِن. وَقَدْ ذَكَرَ المَاوَرْدِيُّ فِي آخَر الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة بَابًا حَسَنًا فِي الْحِسْبَة مُشْتَمِلًا عَلَى جُمَل مِنْ قَوَاعِد الْأَمْر بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المُنْكَر وَقَدْ أَشَرْنَا هُنَا إِلَى مَقَاصِدهَا، وَبَسَطْت الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب لِعِظَمِ فَائِدَته، وَكَثْرَة الْحَاجَة إِلَيْهِ، وَكَوْنه مِنْ أَعْظَم قَوَاعِد الْإِسْلَام. وَالله أَعْلَم(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا الفصل لخصناه من شرح صحيح مسلم للنووي، المجلد الأول، 2/22-26، بتصرف كثير. وينظر ما كتبته في رسالة، (حديث: من رأى منكم منكرًا فليغيره ... روايةً ودرايةً)، ففيه بعض التفصيل المهم.



بحث عن بحث