تطهير النجاسة من المسجد

 

الطهارة من شروط الصلاة أعني: طهارة البدن والثياب والمكان، وبدونها لا تصح الصلاة، فنذكر فيما يلي كيفية تطهير النجاسة باختصار.

 

الطهارة معناها: النظافة والنزاهة، وهي في الشرع على نوعين؛ طهارة معنوية، وطهارة حسية، أما الطهارة المعنوية: فهي طهارة القلوب من الشرك والبدع، ومن الغل والحقد والحسد وغيرها، وأما الطهارة الحسية: فهي طهارة البدن، وهي أيضًا نوعان: إزالة وصف يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة، وإزالة خبث.

 

فأما إزالة الوصف: فهو رفع الحدث الأصغر والأكبر، بغسل الأعضاء الأربعة في الحدث الأصغر، وغسل جميع البدن في الحدث الأكبر، إما بالماء لمن قدر عليه، وإما بالتيمم لمن لم يقدر على الماء.

 

وأما إزالة خبث: فهي الطهارة من كل عين أوجب الشرع على العباد أن يتنزهوا منها، كالبول والغائط ونحوهما.

 

والطهارة من الحدث فالأصل فيها الماء، فإن لم يوجد الماء أو خيف الضرر باستعماله فإنه يعدل عنه إلى التيمم. وأما الطهارة من الخبث فإن أي مزيل يزيل ذلك الخبث من ماء أو غيره، تحصل به الطهارة، وذلك لأن الطهارة من الخبث يقصد بها إزالة تلك العين الخبيثة بأي مزيل، فإذا زالت هذه العين الخبيثة بماء أو بنزين، أو غيره من السائلات أو الجامدات على وجه تمام، فإن هذا يكون تطهيرًا لهما.

 

وإذا كانت النجاسة على غير الأرض، وهي نجاسة كلب، فإنه لا بد من تطهيرها من سبع غسلات، إحداها بالتراب، لقول النبي ﷺ:«طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ«(1)

وإذا كانت النجاسة على غير الأرض وليست نجاسة كلب، فإن القول الراجح أنها تطهر بزوالها على أي حال كان، سواء زالت بأول غسلة، أو بالغسلة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، أو الخامسة، المهم متى زالت عين النجاسة فإنها تطهر، لكن إذا كانت النجاسة بول غلام صغير لم يأكل الطعام فإنه يكتفي أن تغمر بالماء الذي يستوعب المحل النجس، وهو ما يعرف عند العلماء بالنضح، ولا يحتاج إلى غسل، وذلك لأن نجاسة بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام نجاسة مخففة(2)

 

كما جاء في الحديث عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَأْكُل الطَّعَامَ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلِ أَحْمَدَ وَإِسْحَقَ قَالُوا: يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا(3)

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللّٰـهِ ﷺ قَالَ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ: يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(4)

 

وإذا كانت النجاسة على الأرض فإنه يكتفى بصب الماء عليها مرةً واحدةً بعد إزالة عينها إذا كانت ذات جرم، لأن النبي ﷺ قال للصحابة في الحديث الذي نحن بصدد شرحه حين بال الأعرابي في المسجد: «دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ؛ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ«(5)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا، برقم: (172)، ص: 34 صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب، برقم: (279)، ص: 131-132، واللفظ له.

(2) فقه العبادات، فتاوى فضيلة الشيخ العثمين رحمه الله، إعداد وتقديم: أ.د. عبد الله أحمد الطيار، ص: 124.

(3) صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب: حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، برقم: (287)،ص: 134، وجامع الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم، برقم: (71)، ص: 19.

(4) جامع الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع، برقم: (610)، ص: 157.

(5) هذا المبحث لخصناه من كتاب فقه العبادات، فتاوى فضيلة الشيخ العثمين رحمه الله، إعداد وتقديم: أ.د. عبد الله أحمد الطيار، ص: 110-113. وتقدم   تخريج الحديث في ص: 7.



بحث عن بحث