المسجد وأحكامه

 

  تحية المسجد:

من خصائص المسجد أن يكون له عند دخوله تحية، وذلك بأداء ركعتين، كما روى البخاري وغيره عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللّٰـهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُم المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ«(1)

ولا شك أن تأدية هاتين الركعتين لهما أثر على نفسية الفرد الداخل إذ أنه يشعر أنه ولج مكانًا ذا خاصية مميزة، فتتهيأ نفسه له فيتعامل معه التعامل الفضيل.

 

• حفظ القرآن وتحفيظه:

من أهم المهمات وأوضح المشروعات عمله في المساجد إقامة تعلم القرآن وتعليمه، وقراءته وإقراءه بشكل فردي، أو بشكل تدارس جماعي، كما يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «....وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْـجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللّٰـهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللّٰـهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ«(2)

وكان رسول الله ﷺ يجلس في المسجد ويستمع لقراءة أصحابه، فعَنْ عَبْدِ اللّٰـهِ بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: اقْرَأْ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّٰـهِ! آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ قَالَ: حَسْبُكَ الْآنَ. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ(3)

وهكذا كان الصحابة من بعده يتدارسون القرآن والعلم في المسجد، واستمر على هذه الحال على امتداد التاريخ الإسلامي.

 

ويلحق بقراءة القرآن الكريم اشتغال الفرد بذكر الله تعالى، قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴿٣٦﴾رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [سورة النور: 36-37]. وكما جاء في الحديث الذي نحن بصدد شرحه: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللّٰـهِ ﷺ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللّٰـهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ(4)

ولكن يحذر الإنسان أن ينتقل من الصور الشرعية في الذكر إلى الصور البدعية التي دخلت على كثير من الأقطار الإسلامية فأوقعهم الشيطان في حبائله، مثل أن يذكر الله بذكر لم يرد في الكتاب ولا في سنة رسول الله ﷺ، أو أن يذكر بصيغة لم ترد، كمن يسمي الله تعالى بـ(هو) وتردد، أو أن يذكر مبتدأ دون الخير، مثل: الله، الله، الله، ونحو ذلك.

 

• تعلم العلم وتعليمه:

ومن مهمات المسجد أنه ميدان للعلم والتعليم، فقد كان النبي ﷺ يتخذه مكانًا للتعليم والتربية، فقد جاء في الصحيح عن عَطَاء بْن يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا...(5) الحديث.

 

كما كان يستقبل فيه الوفود الذين يفدون إليه مسلمين لتعلم القرآن، والسنة، والأحكام الشرعية؛ كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللّٰـهِ ﷺ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَد اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَد اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَت الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ(6)

وكون التعليم في المسجد يعطيه خاصيةً فريدةً على غيره؛ إذ أن المكث فيه مع العلم والتعليم يضفي على المتعلم جواً عباديًا يشعر معه بارتباطه بالله سبحانه وتعالى، إذ أن الدافع معه إلى هذا التعليم إخلاصه لله عز وجل، والانتفاع منه وفيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب: إذا دخل المسجد فليركع ركعتين، برقم: (444)، ص: 77، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب تحية المسجد بركعتين، برقم: (714)، ص:290.

(2) أخرجه مسلم في صحيحه، ومضى  تخريجه على الصفحة: 28.

(3) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: قول المقرئ للقارئ: حسبك، برقم: (5050)، ص: 904، واللفظ له، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب: فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه...، برقم: (800)، ص: 323، والآية من سورة النساء، رقمها: 41.

(4) ينظر   تخريجه على ص: 22.

(5) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب: الصدقة على اليتامى، برقم: (1465)، ص: 237-238، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب: تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، برقم: ذ052)ص: 422.

(6) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب: إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم، برقم: (685)، ص: 112، وصحيح مسلم، كتاب المساجد، باب: من أحق بالإمامة؟، برقم: (674)، ص:272.



بحث عن بحث