مجالس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في المسجد

 

كان النبي ﷺ يخرج ويبحث عن التجمعات لإيصال كلمة الحق، ويتوجه إليهم، ويقصد هذه المجامع بأنواعها، وعندما هاجر إلى المدينة وجد أرضاً خصبةً للدعوة والتبليغ، فكان يغتنم كل فرصة، ويستغلها في تعليم الصحابة ما يخصهم من أحكام الشريعة في كل وقتٍ، وفي كل مكانٍ حسب الحاجة، ولكن أكثر ما كان يتخذ المسجد مكاناً لتعليمهم وتربيتهم. وللمسجد وظائف كثيرة، ومنها: ذكر الله تبارك وتعالى، وإقامة الصلاة، كما قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴿٣٦﴾رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [سورة النور:36-37].

 

ولأهمية المسجد وعظم مكانتها كان المسجد من الأعمال الأولى للدولة الإسلامية التي باشرها الرسول ﷺ عند ما هاجر إلى المدينة، فأسس مسجده، وجعله الملتقى الأعظم لأصحابه الكرام، فكان يجلس فيه ويعلم الصحابة أمور دينهم وما يهمهم من أمور الدنيا، فعلى سبيل المثال: تعليم الصحابة كيفية الصلاة كما جاء في الحديث؛ فعن أبي حَازِمِ بن دِينَارٍ: أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَقَد امْتَرَوْا فِي المِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللّٰـهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّٰـهِ ﷺ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللّٰـهِ ﷺ إِلَى فُلَانَةَ امْرَأَةٍ مِن الْأَنْصَارِ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ: «مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ»، فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللّٰـهِ ﷺ، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا، ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّٰـهِ ﷺ صَلَّى عَلَيْهَا، وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ المِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي(1)

 

وكما جاء في بيان أوقات الصلوات: عَنْ بُرَيْدَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ: صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ يَعْنِي اليَوْمَيْنِ؛ فَلَمَّا زَالَت الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ المَغْرِبَ حِينَ غَابَت الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا، وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ، وَصَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّٰـهِ. قَالَ: وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ(2).

 

قال النووي: فِيهِ: بَيَان أَنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْت فَضِيلَة، وَوَقْت اخْتِيَار. وَفِيهِ: أَنَّ وَقْت المَغْرِب مُمْتَدٌّ. وَفِيهِ: الْبَيَان بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ أَبْلَغ فِي الْإِيضَاح، وَالْفِعْل تَعُمُّ فَائِدَتُهُ السَّائِلَ وَغَيْرَهُ. وَفِيهِ: تَأْخِير الْبَيَان إِلَى وَقْت الْحَاجَة، وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ. وَفِيهِ: احْتِمَال تَأْخِير الصَّلَاة عَنْ أَوَّل وَقْتهَا، وَتَرْك فَضِيلَة أَوَّل الْوَقْت لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ(3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب: الخطبة على المنبر، برقم: (917)، ص: 147، وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم: (544)، ص: 221- 222.

(2) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس، برقم: (613)، ص: 248.

(3) شرح صحيح مسلم للنووي, المجلد الثاني، 5/114.



بحث عن بحث