عوائق وعقبات في طريق الدعوة

 

ولقد ابتلي خليل الله إبراهيم عليه السلام أيضا وهو أبو الأنبياء، حتى ألقي في النار ولكنه صبر، فجعل الله النار بردًا وسلاماً عليه؛ كما قال تعالى: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿٦٨﴾ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾ [سورة الأنبياء :68-69]

لذا مدحه الله بكونه أمة لوحده، قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّـهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٢٠﴾ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿١٢١﴾ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٢٢﴾ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة النحل:120-123].

 

وكذلك أوذي كليم الله موسى عليه السلام من قومه ولكنه صبر كما جاء في الحديث: فعن الْأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الله: قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ: وَالله إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ الله. قُلْتُ: أَمَّا أَنَا لَأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَغَضِبَ، حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَصَبَرَ(1)

 

وكذلك ابتلي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأنواع الأذى من كفار مكة، رموه بالسحر والكهانة والإفك كما قال تعالى: ﴿ وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴿٤﴾ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [سورة ص: 4-5]

وقال تعالى: ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ﴾ [سورة الإسراء: 47]

وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ﴿٤﴾ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [سورة الفرقان: 4-5]

وقال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا ۙ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [سورة الأنفال:31]

وقد رد الله على مزاعمهم الباطلة في سورة الحاقة: فقال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ﴿٣٨﴾ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴿٣٩﴾ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴿٤٠﴾ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ ﴿٤١﴾ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴿٤٢﴾ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٤٣﴾ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ﴿٤٤﴾ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ﴿٤٥﴾ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ﴿٤٦﴾ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴿٤٧﴾ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة الحاقة: 38-48].

 

وكذلك ألقي عليه سلا جذور وهو يصلي كما روى البخاري: عَن عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَن ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ. ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ. ثُمَّ سَمَّى: اللهمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ(2)

وخنقه الشقي عقبة وهو يصلي كما جاء في الحديث: عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو عَن أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ غ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ﴾(3)

 

وعند وقعة الهجرة أرادوا قتله ولكن الله حماه من مكرهم، وقد أشار القرآن إلى هذه الحادثة في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [سورة الأنفال: 30]. حتى خرج من مكة أحب بلاد الله إليه كئيبًا حزينًا، وحينما خرج منها جرى على لسانه: (وَالله إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ الله، وَأَحَبُّ أَرْضِ الله إِلَى الله، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)(4)

وفي المدينة لقي من المنافقين واليهود أنواعاً من الأذى ولكنه صبر وصابر حتى التحق بالرفيق الأعلى.

والحاصل: أنه ما من نوع من الابتلاء إلا نال الحبيب ﷺ منه نصيباً، لكونه القدوة عليه الصلاة والسلام الذي علَّم الأمة درس الصبر والرضا والشكر على المحن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: الصبر على الأذى، برقم: (6100).

(2) صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب: إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته، برقم: (240).

(3) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب: ما لقي النبي ﷺ  وأصحابه من المشركين بمكة، برقم: (3856).

(4) جامع الترمذي، كتاب المناقب، باب: في فضل مكة، برقم: (3925).وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.



بحث عن بحث