أنواع القول في المجال الدعوي

 

ب- التبليغ بالكتابة:

من وسائل التبليغ، التبليغ بالكتابة؛ والكتابة إما أن تكون كتابة رسائل إلى المدعوين لدعوتهم إلى الدخول في الإسلام، أو إلى الصلاح من الفسوق والفجور والمعاصي وغيرها، كما كتب سليمان إلى ملكة سبأ، وأرسله مع الطائر الهدهد، فجاء ذكره في القرآن، فقال تعالى: ﴿ اذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [سورة النمل: 28-31]

وكما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام، فكتب إلى هرقل: فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ بأَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ....وفِيهِ: « بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِن مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَن اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ الله أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ، وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا الله وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِن دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ«(1).

 

وعن عَبْدِ الله أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ الله بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ. فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ المُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ(2).

 

وذكر ابن حجر نقلاً عن الطبراني وعن أصحاب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَبْد الله بْن حُذَافَة إِلَى كِسْرَى، وَسَلِيط بْن عَمْرو إِلَى هَوْذَة بْن عَلِيّ بِالْيَمَامَةِ، وَالْعَلَاء بْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْمُنْذِر بْن سَاوَى بِهَجَر، وَعَمْرو بْن الْعَاصِ إِلَى جَيْفَر وَعَبَّاد اِبْنَيْ الْجَلَنْدِيّ بِعَمَّان، وَدِحْيَة إِلَى قَيْصَر، وَشُجَاع بْن وَهْب إِلَى اِبْن أَبِي شَمِر الْغَسَّانِيّ، وَعَمْرو بْن أُمَيَّة إِلَى النَّجَاشِيّ، والْمُهَاجِر بْن أَبِي أُمَيَّة بْن الْحَارِث بْن عَبْد كَلَال، وَحَرِيرًا إِلَى ذِي الْكُلَاع، وَالسَّائِب إِلَى مُسَيْلِمَة، وَحَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى المُقَوْقِس(3).

 

كما أن الدعوة بالكتابة تكون بتأليف الكتب، وإعداد البحوث والمقالات، ونشرها في المجلات وغيرها، وترجمتها إلى لغات العالم. وهي من الوسائل المفيدة جداً في الدعوة، فيجب على الداعي أن يخاطب الناس في كتبه على وجه العموم، وبأسلوب بسيط واضح يفهمه كل الناس. وتأليف الكتب من الأعمال النافعة، ويكتب لصاحبها الأجر حتى بعد مماته، لأنه من العلم النافع الذي يفيد الإنسان حتى بعد موته، كما جاء في الحديث: عَن أَبِيهِ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثة: إِلَّا مِن صَدَقَة جَارِيَة، أَوَ عِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوَ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ«(4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري في صحيحه, في كتاب الجهاد والسير، باب: دعاء النبي غ الناس, برقم: (2941).

([2]) صحيح البخاري, كتاب المغازي، باب: كتاب النبي غ  إلى كسرى وقيصر, برقم: (4424).

([3]) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني, 8/128.

([4]) صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته برقم: (1631).



بحث عن بحث