دخول الجنة بفضل الله ورحمته أو بالعمل؟

حديث: ما من أحد يدخل الجنة بعمله

 

 

1- عن أبي هريرة س قال: قال رسول الله ق: «لن ينجي أحدا منكم عمله» قالوا، ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا».

 

2- وعن عائشة ك أن رسول الله ق قال: «سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله» قالوا، ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة».

 

3- وفي رواية عنها: «سددوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة ، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل».

 

وردت أدلة كثيرة مفادها أن دخول الجنة إنما يكون بفضل الله تعالى ورحمته، ومنها: حديث الباب، الذي وقفنا معه هذه الوقفات، وهو قوله ق: “ما من أحد يدخله عمله الجنة” فقيل ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: “ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي برحمة”([1]). فظاهر هذا النص أن العمل لا يدخل الجنة، وإنما فضل الله ورحمته هو الذي يدخل الجنة.

 

ووردت أدلة أخرى مفادها أن الإنسان إنما يدخل الجنة بعمله، ومنها: قوله تعالى: { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل:32] وقوله تعالى:{ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }[الزُّخرُف:72]، فأخبر أن دخول الجنة بالأعمال أيضًا.

 

 

وقد أجاب أهل العلم عن هذا الإشكال، ومن ذلك:

 

قول الحافظ ابن حجر: إن الباء في قوله { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }للمصاحبة أو للإلصاق أو المقابلة ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية.

 

قال ابن حجر: ثم رأيت النووي جزم بأن ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها إنما هو برحمة الله وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بسبب العمل وهو من رحمة الله تعالى([2]).

 

وأما ابن قيم الجوزية فكان له جواب آخر، فقال: هذه الدرجات كلها إنما تعمر ويقع التفاوت فيها بحسب الأعمال كما قال غير واحد من السلف: ينجون من النار بعفو الله ومغفرته، ويدخلون الجنة بفضله ونعمته ومغفرته، ويتقاسمون المنازل بأعمالهم وعلى هذا حمل غير واحد ما جاء من إثبات دخول الجنة بالأعمال كقوله تعالى: { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }، وقوله تعالى: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، قالوا: وأما نفي دخلوها بالأعمال كما في قوله ق: “لن يدخل الجنة احد بعمله” قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: “ولا أنا” فالمراد به نفي أصل الدخول.

 

قال: وأحسن من هذا أن يقال: الباء المقتضية للدخول غير الباء التي نفى معها الدخول، فالمقتضية هي باء السببية الدالة على أن الأعمال سبب للدخول مقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها والباء التي نفى بها الدخول هي باء المعاوضة والمقابلة التي في نحو قولهم: اشتريت هذا بهذا فأخبر النبي ق أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد وأنه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة، فليس عمل العبد وان تناهى)([3]).

 

وخلاصة القول في هذه المسألة أن المنفي في الحديث هو: دخولها بالعمل المجرد عن القبول والمثبت في الآية، ودخولها بالعمل المتقبل، والقبول إنما يحصل من الله تفضلاً ورحمة.


([1]) سبقت تخريجه في المقدمة.

([2]) فتح الباري(11: 297)، وينظر : شرح النووي على مسلم(17:161)..

([3]) مفتاح دار السعادة(1: 8) بتصرف يسير.



بحث عن بحث