مخاوف السلف الصالح من العجب

حديث: ما من أحد يدخل الجنة بعمله

 

 

1- عن أبي هريرة س قال: قال رسول الله ق: «لن ينجي أحدا منكم عمله» قالوا، ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا».

 

2- وعن عائشة ك أن رسول الله ق قال: «سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله» قالوا، ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة».

 

3- وفي رواية عنها: «سددوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة ، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل».

 

لعلم السلف بمخاطر العجب، فإنهم كانوا يخافون منه أشد الخوف، ويهربون منه كل مهرب، ومن أجل ذلك كانوا يخفون أعمالهم الصالحة ما استطاعوا، ذلك أن العجب يورث الكبر الباطن، والكبر يثمر التّكبّر الظّاهر في الأعمال والأقوال والأحوال.

 

وقد حمت الشريعة الغراء المسلم من العجب والرياء والسمعة، فنهى رسول الله ق عن التمادح. والتمادح قد يفضي إلى العجب، وأمر بإخفاء الصدقة، وإظهارها قد يؤدي إلى ذلك، وكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أشد الناس بعد الأنبياء حذرا من العجب، ففي حديث سئل ابن المبارك عن العجب؟ قال: أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرك، لا أعلم في المصلين شيئاً شراً من العجب([1]).

 

وقال مطرف بن عبد الله([2]): لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إلي من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً([3]).

 

وقيل لعائشة رضي الله عنها متى يكون الرجل مسيئاً؟: قالت: إذا ظن أنه محسن([4]).

 

ويبين تخوف السلف من العجب، وشدة اتقائهم له، وحرصهم على إخفاء أعمالهم، وخوفهم من أن ينسب إليهم الحمد وهم لا يستحقونه، يبين ذلك كله قصة حصين بن عبد الرحمن([5])، حيث قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت: قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت، قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي قال: وما حدثكم؟

قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حمة، قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي ق قال: “عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب”، ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ق.

 

وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله ق فأخبروه فقال: “هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون” فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم قال: “أنت منهم”، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: “سبقك بها عكاشة”([6]).

 

فهذا التابعي الجليل، خشي أن يظن الناس أنه كان يصلي حين قال: رأيت الكوكب، فأسرع إلى إبعاد ما قد يفهمه الناس عنه، فيحمدونه، وهو لم يفعل، وكانوا رضوان الله عليه يخفون أعمالهم؛ خشية أن يدخلهم شيء من العجب.


([1]) سير أعلام النبلاء (8: 407).

([2]) مطرف بن عبد الله ابن الشخير الأمام القدوة الحجة أبو عبد الله البصري ثقة له فضل وورع وعقل توفي عام 86هـ انظر السير(4: 187).

([3]) السير (4: 190)

([4]) إحياء علوم الدين(3: 370).

([5]) هو حصين بن عبد الرحمن السلمي، أبو الهذيل الكوفي ثقة مات سنة (136)هـ.

([6]) أخرجه مسلم (ص: 11 رقم 220) كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حسان.



بحث عن بحث