من حقوق غير المسلمين

 

من حقوق غير المسلمين

 

 

التزام أصول الأخلاق في الإسلام معهم؛ من الصدق، والأمانة، والعدل والإنصاف، والتخاطب الحسن، والرحمة في مواضعها الشرعية، وغير ذلك من أصول الأخلاق الحميدة، قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83]، وقال سبحانه وتعالى في معرض بيانه لأسلوب الدعوة الحكيم: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[النحل: 125].

 

ومن المعلوم أن التعامل بالأخلاق الحسنة، والمعاملة الطيبة، لا يُنافي النهي عن موالاتهم ومودتهم ومحبتهم.

 

فالتعامل بالخلق تعامل في الظاهر مع الأشخاص، والإِسلام أمر المسلم بأن يكون صاحب خلق حسن، وتعامل طيب، أما الموالاة فهي معلّقة بالقلب. كما تُمنع المعاملة الحسنة لهم إذا كانت على حساب الدين والأخلاق أو على حساب المسلمين.

 

 

ومن الخطأ البين:

 

الخلط بين الأمرين؛ فالتعامل بالخلق الحسن مأمور به، والمودة والموالاة منهي عنها.

 

ومما يُشرع في حقهم: جواز إيصال البر والمعروف الإنساني إليهم، سواء على سبيل الهدية، أو الإغاثة؛ بل على سبيل الصدقة أو إطعام الجائع وغير ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في كل ذات كبدٍ رطبة أجر»([2]).

 

وبخاصة إذا كان يُرجى إسلامه، فقد أخرج البخاري رحمه الله أن أسماء بنت أبي بكر ب قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما قدمت عليها أمها مشركة: إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: «نعم صليها»(

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه مع شدته في الحق أهدى حلّة إلى أخ له مشرك بمكة، كانت جاءته من النبي غ([4]).

 

وكما يجوز الإهداء لهم، فيجوز قبول هديتهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الغنم المشرك عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها شاة: «بيعًا أم عطية؟» أو قال: «أم هبة؟»، قال: لا، بل بيع. فاشترى منه شاة(

وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردًا([6]).

فالبر والإحسان والمعروف في الإسلام مبذول للمسلم وغير المسلم؛ بل في بذله لغير المسلم أجر عظيم لمن صَلُحت نيتُه؛ لأنه وسيلة إلى دخوله في الإسلام، فيكون دلالة على الخير والهدى، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[الممتحنة: 8].

ومن أفضل الطاعات والقربات: دعوتهم إلى دين الله تعالى، والدخول فيه بالوسائل الشرعية، والأساليب المناسبة المحببة إلى النفوس، ودعوة غير المسلمين من أفضل الأعمال، وأحسن الأقوال، وأكثرها أجرًا، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[فصلت: 33]، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وغيره: «من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»(

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره لعلي بن أبي طالب ا: «لأنْ يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعم»(

 

ومما ينبغي التنبه له: أن تكون هذه الدعوة بالأسلوب الحسن، والقول اللين، والخطاب اللطيف، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]، وقال سبحانه لموسى وهارون عليهما السلام عند مخاطبتهما لفرعون: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[طه: 44]، وهكذا، فالإسلام دين نظيف ينبغي أن يقدم بوعاء نظيف يقبله المقدم له.

 

أرأيت -أخي المسلم- هذا التشريع الرباني الذي سما بأهله ووضع لهم منهجًا سمحًا في تعاملهم مع بعضهم البعض أو في تعاملهم مع غيرهم؟

 

ولذا يخطئ من يخالف هذا المنهج السليم في تعامله؛ مثل من يظن أن التعامل الحسن مع الكفار حرام، أو ينطلق في تعامله من مواقف شخصية وانفعالات، وليس من نصوص الشريعة وأحكامها، فهؤلاء وأمثالهم جانبوا الصواب، ووقعوا في الوعيد، وارتكبوا الإثم والوزر، ونفّروا من الدِّين وأهله.

 

أسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، إنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنَّا سيئها، إنه لا يصرف عنَّا سيئها إلا هو، كما أسأله سبحانه أن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

([2]) رواه البخاري في كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من عاهد ثم غدر (3183).

([1]) رواه البخاري في كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من عاهد ثم غدر (3183).

([4]) رواه البخاري في كتاب الهبة، باب قبول الهبة من المشركين (2618).

([1]) رواه البخاري في كتاب الهبة، باب قبول الهبة من المشركين (2618).

([6]) رواه مسلم في كتاب العلم، باب من سَنَّ سنة حسنة أو سيئة (2674).

([1]) رواه مسلم في كتاب العلم، باب من سَنَّ سنة حسنة أو سيئة (2674).

([7]) رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة (3701)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب (2406).



بحث عن بحث