حقوق المسلم (5)

 

الحمد لله الذي أمرنا بفعل الطاعات، وترك المنكرات، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وآلائه المتتابعات، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أُولي الفضل والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدِّين.

 

 

أما بعد:

أيها المسلمون الكرام! ما زلنا نعيش هذه الدروس التي نستلهم منها بعض ما يجب علينا من حقوق وواجبات، ولا زلنا نتذاكر ما يجب على المسلم تجاه أخيه المسلم، وقد تحدّثنا فيما مضى عن أربعة حقوق بشيء من التفصيل، وفي هذا الدرس نعرض لحقين آخرين مهمين من حقوق المسلم على أخيه:

 

الحق الخامس: يتمثل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا مرض فعده»، وفي الرواية الأخرى: «وعيادة المريض»([2])،

 

والمريض -أيها المسلم الكريم- هو ذاك الذي ابتلي بشيء من البلاء في جسمه أو نفسيته.

والمرض: ابتلاء من الله سبحانه وتعالى يصيب به بعض عباده؛ ليرى سبحانه وتعالى موقفهم، وكيف يتصرفون؟ وهل يقابلون ذلك المرض بالصبر، وإرجاع الأمر إلى الله تعالى، وإيمان بالقضاء والقدر، ومن ثم الرضا بما قضاه الله تعالى وقدّره عليه؟ أم يدع هذه الأشياء كلها ويطلق لسانه بالتشكّي للمخلوقين، والتسخط على المقدور، والجزع مما أصابه؟

والمرض لا شك أنه في ظاهره محنة على المريض، لكن نتيجته مع الصبر والرضا والشكر قد تنقلب إلى منحة ربانية؛ فيكون سببًا في تكفير السيئات، ورفعة الدرجات، وكتابة الأعمال الحسنة التي كان يعملها المريض حال صحته، وربما رد عنه من الشر أكثر مما أصابه.

وفي المرض وقفة للمريض مع نفسه، فالإنسان قد ينشغل طوال يومه وأسبوعه وشهره ولا يتأمل حاله، فإذا أُصيب بالمرض، وأراد الخير لنفسه؛ سيقف معها متأملًا ومحاسبًا، فالإنسان حال الصحة والقوة والنشاط قد يغفل عن أشياء مهمة، وقد ينسى أو يتناسى أخرى، وقد ينشغل عما هو أهم.. وهكذا، ثم يكون المرض سببًا في تذكُّره لما غفل عنه، فيقف مع نفسه محاسبًا لها، ومراجعًا لأعماله وعلاقته مع الله ومع المخلوقين.

والمريض -أخي المسلم- يكون حال مرضه في حال متغيرة عن حال صحته وقوته، ونشاطه، فنفس المريض تضعف، وتفكيره ينحصر في مرضه في الغالب، والشيطان حريص على أن يدخل إلى نفسه ليوسوس له أن ليس له علاج، أو أن إصابته عظيمة، أو يصيبه باليأس من رحمة الله؛ ولهذا جعل الإسلام لهذا النوع من الناس الذين ابتلاهم الله سبحانه وتعالى حقًّا يتمثل في جملة أمور، منها:

زيارتهم، وتكرارها، وقد جعل الله عز وجل في ذلك أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا، روى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خُرْفَة الجنة حتى يرجع»، قيل: يا رسول الله! وما خُرْفَة الجنة؟ قال: «جناها»(

 

وروى مسلم أيضًا في الحديث القدسي الطويل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده...»([4])، الحديث.

 

ومما ينبغي عليك -أخي المسلم- عند عيادتك للمريض: أن تحرص على أن يستفيد منك، وأن تكسب في عيادتك له خيرًا، ومن ذلك: أن تدعو له بالشفاء والعفو والعافية، فقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما بسند حسن عن ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عاد مريضًا لم يحضر أجله، فقال عند رأسه سبع مرارٍ: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض»(

وروى مسلم عن أبي عبد الله عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضع يدك على الذي تأَلَّمَ من جسدك، وقل: بسم الله -ثلاثًا- وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر»([6]).

 

ومما يستحب أن يقوله للمريض: «لا بأس، طهور إن شاء الله» كما صح ذلك عن النبي غ(

ومما يتأكد على الزائر: التخفيف على المريض، وتطييب نفسه، وتقريب رحمة الله له؛ كأن يعلق نفسه بالله سبحانه وتعالى، ويخبره بأن مع العسر يسرًا، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع الشدة فرجًا، وأنه لا ينبغي أن ييأس من رحمة الله تعالى، ويهوِّن عليه مرضه، ويذكره بعظم الأجر، وكثرة الثواب، ومحو السيئات.

 

ومما يحسن بيانه هنا: أن من حق المريض: مراعاة مصلحته في زيارته من حيث كثرة الزيارة وقلتها، ومراعاة كلام طبيبه في الأكل والشرب والكلام وغيرها، (فقد يجامل المريض زائريه على حساب نفسه ومرضه)، وأن يبتعد عن الكلام في أمور الدنيا، أو كثرة الضحك، أو تناول المأكولات الشهية لديه التي قد يكون ممنوعًا منها لظروف مرضه.

 

ومما يشار إليه أيضًا: أن يجتنب ما ابتلي به بعض الناس من تقليد غير المسلمين في الزيارة، فقد أحدثوا بدعًا لم تكن معروفة في الهدي النبوي، ومن ذلكم: إهداء الورد والزهور، مع ترك آداب الزيارة الأخرى، نعم لا بأس بالهدية النافعة للمريض؛ ككتاب الله تعالى، أو بعض الكتب النافعة، أو ما عرف عن المريض أنه يرغبه، ونحو ذلك، لكن يجتنب ما فيه تقليد ومشابهة لغير المسلمين.

 


([2]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض (2568).

([1]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض (2568).

([4]) رواه أبو داود في كتاب الجنائز، باب الدعاء للمريض عند العيادة (3106)، والترمذي في أبواب الطب (2084).

([1]) رواه أبو داود في كتاب الجنائز، باب الدعاء للمريض عند العيادة (3106)، والترمذي في أبواب الطب (2084).

([6]) رواه البخاري في كتاب المرضى، باب عيادة الأعراب (5656).

([1]) رواه البخاري في كتاب المرضى، باب عيادة الأعراب (5656).



بحث عن بحث