حقوق المسلم(2)

 

الحق الأول: ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا لقيته فسلِّم عليه» وفي الحديث الآخر: «رد السلام».

 

والسلام هو تحية المسلمين، قال تعالى عن أهل الجنة: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [الأحزاب: 44]، وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام في لقيا الملائكة له: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ[هود: 69].

 

والسلام أن يقول المسلِّم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وهذا السلام الكامل، وأقلّه: السلام عليكم.

 

والسلام له فضائل وميزات، فقد ورد أنه من خير الإسلام، روى البخاري رحمه الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص ب أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»([2]).

 

وكما أن السلام من أسباب المودة والألفة والمحبة بين المسلمين، وهي من أسباب دخول الجنة، روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»(

وفي السلام أجر عظيم وخير كثير، فإذا أُلقي كاملًا كان لملقيه ثلاثون حسنة، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله؛ كان له عشرون حسنة، وإذا قال: السلام عليكم؛ كان له عشر حسنات، روى أبو داود والترمذي وصححه عن عمران بن حصين بقال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فَرَدَّ عليه، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عشر»، ثم جاء رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عشرون»، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، وجلس، فقال: «ثلاثون»([4])، والمقصود: ثلاثون حسنة.

 

فيؤخذ منه أنه لا مانع من هذه التحايا بعد ذكر السلام، ومن اكتفى بهذه العبارات فقد خالف المشروع، وارتكب المحذور، وحرم نفسه خيرًا كثيرًا.

والسلام هو اسم من أسماء الله تعالى، فكأنّ المسلّم عندما يسلم يقول: أنتم في حفظ الله تعالى، وقيل: إن السلام دعاء بالسلامة.

أما حكم السلام؛ فقد ذكر أهل العلم أنه سنة مؤكدة، أما ردّه فواجب عينًا على المسلَّم عليه إذا كان واحدًا، وواجب على الكفاية إذا كانوا مجموعة، وإن ردوا جميعًا فهو أفضل.

وصفة الرد: أن يكون مثل السلام أو أفضل منه، فإذا سلَّم المسلِّم بالأقل، فالراد يرد بمثله، أو يزيد: (ورحمة الله)، أو (ورحمة الله وبركاته)، وإذا سلَّم بالسلام الكامل فيرد كاملًا، ولا يرد بأنقص منه، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا[النساء: 86]، قال الحافظ ابن كثير :: «أي: إذا سلّم عليكم المسلِّم فردوا عليه أفضل مما سلَّم، أو ردوا عليه بمثل ما سلّم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة» ا.ه. كلامه رحمه الله.

ومما يحسن ذكره -ونحن نختم هذا الدرس- أن من الأخطاء الشائعة: ما انتشر بين بعض المسلمين تقليدًا لغيرهم، من إبدال تحية المسلمين ببعض التحايا الأخرى دون التلفظ بالسلام، مثل: (صباح الخير)، أو (مساء الخير)، أو (مرحبًا وأهلًا وسهلًا)، أو (أنعم صباحًا)، أو (أسعد الله صباحك أو مساءك)، ونحو ذلك من هذه العبارات التي لا ينبغي أن يبدأ بها المسلِّم أو أن يردَّ بها، فتحية المسلمين السلام، ولكن لا مانع من ذكر بعض هذه العبارات المحببة إلى النفوس بعد أن يسلِّم المسلم، أو بعد أن يرد الراد، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مرحبًا بأم هانئ»(

 

أخي المسلم!

لقد جاء ديننا الحنيف بأكمل الشرائع ومكارم الأخلاق، فشرع لنا هذه الحقوق العظيمة، والآداب الجميلة، التي تعود على الفرد والمجتمع بأطيب الآثار والثمار، وتنشر المودة، ويتحاب الناس فيما بينهم، ويلقى ربه مأجورًا مثابًا -بإذن الله تعالى- كُلُّ من تحلّى بهذه الأخلاق.

 

أسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الشك والشرك، وألسنتنا من الكذب، وأعمالنا من الرياء، وأعيننا من الخيانة، وأن يجعل المسلمين متحابين متآخين فيه، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

 

وللحديث بقية في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


([2]) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (54).

([1]) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (54).

([4]) رواه البخاري في كتاب الأدب، باب قول الرجل: «مرحبًا» (357).

([1]) رواه البخاري في كتاب الأدب، باب قول الرجل: «مرحبًا» (357).



بحث عن بحث