حقوق المسلم(1)



الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة، وشرع لهم بموجبها حقوقًا واجبةً ومستحبة، ونهى عن كل ما يقطعها أو يضعفها من منكرات الأقوال والأفعال والأخلاق، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

 

أما بعد:

فلا زلنا مع هذه الدروس المباركة؛ نتذاكر فيها بعض الحقوق الواجبة علينا، وقد عرضنا في الدروس السابقة لأعظم هذه الحقوق ورأسها وهو حق الله تعالى، ثم حق رسوله صلى الله عليه وسلم، وحق القرآن، ثم عرضنا بعد ذلك لبعض الحقوق الواجبة لفئات خاصة، كالحقوق الخاصة بولي الأمر، وحقوق العالم، وحقوق الوالدين، والزوجين، والأولاد.

 

وفي هذا الدرس ودروسٍ تليه -إن شاء الله تعالى- نعيش مع حقوق المسلم بعامة، حيث إن من مبادئ الإسلام الكبرى: أن جعل المسلمين كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فهذه الحقوق مبنيّة على أصل التآخي بين المسلمين، هذا الأصل العظيم الذي قرره الباري سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الحجرات: 10]، وقال سبحانه: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67].

 

وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([2])، ورويا أيضًا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه([4]).

 

وأخرج الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانًا»(

 

ودعا الإسلام إلى تعميق هذه الأخوة، ووعد بالثواب العظيم لمن يتمثلها حق التمثُّل، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم: «ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه...»الحديث([6]).

وروى الإمام أحمد والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: «حَقّت محبتي للمتحابين فيَّ، وحَقت محبتي للمتواصلين فيَّ، وحَقت محبتي للمتناصحين فيَّ، وحَقّت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحَقت محبتي للمتباذلين فيَّ، المتحابون فيَّ على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء»(

 

 

أخي المسلم الكريم!

حقوق المسلم كثيرة وكبيرة، ومبناها على هذه الأخوة الدينية التي بيّنتها هذه النصوص الكريمة، فمن نعم الله تعالى على المسلمين أن جعل الإسلام رابطًا قويًّا بين أبنائه المنتسبين إليه، فالمسلم ينظر إلى المسلم على أساس هذه الرابطة القوية، التي تظهر آثارها على سلوك الأفراد وتصرفاتهم، بيد أن هذه الأخوة الدينية ليست مجرد دعوى يتبجح بها مدعوها فحسب؛ بل هي آداب وأخلاق وسلوك، يتعامل به المسلم ويقوم به، وهو يشعر أن دينه أملى عليه ذلك، وأنه مثاب مأجور على تمثله هذه الأخوة العظيمة.

 

ومن باب التواصي بتحقيق هذه الأخوة في الواقع العملي، نعرض لبعض الحقوق التي يجب أن يقوم بها كل مسلم نحو أخيه المسلم بشيء من التفصيل، وقد بيّنها الإسلام بيانًا شافيًا في جملة نصوص، نذكر بعضها؛ لتكون منطلقًا للحديث عن كل حق من هذه الحقوق.

 

روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس»([8]).

 

وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»(

هذان نصان كريمان جاءا ببعض الحقوق بلفظ (الحق)، والحق هنا: «ما يتأكد فعله ولا ينبغي تركه، وكان حكمه واجبًا وجوبًا شرعيًّا، أو مندوبًا ندبًا مؤكدًا» على ما سيأتي تفصيله في كل واحد من هذه الحقوق.

 

وهناك حقوق أخرى جاءت ببيانها نصوص مفردة، نعرضها -بإذن الله تعالى- في مظانها.

 


([2]) رواه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (6011)، ومسلم في كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم (2586).

([1]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس (2563).

([1]) رواه أحمد (5/343)، والحاكم (4/187) وصححه ووافقه الذهبي.

([4]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس (2563).

([6]) رواه أحمد (5/343)، والحاكم (4/187) وصححه ووافقه الذهبي.

([8]) رواه مسلم في كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم (2162).

([1]) رواه مسلم في كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم (2162).



بحث عن بحث