حقوق الأولاد(2)

 

الحمد لله الذي وعد من حفظ الأمانة ورعاها أجرًا جزيلًا، وتوعّد من أضاعها بأن أعدّ له عذابًا وبيلًا، أحمده على جزيل نعمه، وأشكره على تتابع إحسانه، أنعم علينا بالأولاد، وأمرنا بالقيام بحقهم وصونهم عن الانحراف والفساد، وأُصلي وأُسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد.

 

 

أما بعد:

فقد تحدّثنا في الدرس السابق عن حق عظيم جعله الله على الآباء والأمهات، ذلكم هو حق الأبناء والبنات، على آبائهم وأمهاتهم، وعرفنا جملة حقوق، منها: ما يتعلق باختيار الأم والأب الاختيار الحسن، وكذا تسميته، والعق عنه، وإرضاعه، وحضانته، والإنفاق عليه.

 

وفي هذا الدرس نتحدّث عن حق من أعظم الحقوق للأبناء والبنات، ذلكم هو ما يتعلق بتربيتهم وتنشئتهم النشأة السليمة المبنية على تعاليم الشرع المطهر.

هذه التربية -أخي المسلم- مبنية على أساس متين ينطلق منه المربي بشعوره وعمله، نحو الوسائل المفيدة في هذه التربية، وهذا الأساس هو شعور الوالد والوالدة -ومن يقوم مقامهما في التربية- بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، فإذا ما شعر المربِّي بهذا الشعور الكبير زاد في اهتمامه بتحري الوسائل المفيدة لتنشئة هؤلاء الأولاد على الإيمان والتقوى، وهذه المسؤولية يدلُّ عليها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].

 

فالله سبحانه وتعالى خلق الناس على الفطرة السليمة، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم: 30]، والمربي هو الذي يحافظ -بإذن الله- على هذه الفطرة لناشئته من أن يشوَّش عليها، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟»([2]).

 

كما ينطلق المربي في إحسانه بمسؤوليته من قوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»(

 

فالمنطلق في التربية هو ضخامةُ الشعور بعظمتها، وقوة الإحسان بأهميتها، فإذا خالج هذا الشعور والإِحسان نَفْسَ المربي؛ بدأ خطواته التربوية بسلامة وصحة، ولعلي هنا -أخي المسلم- أن أُلمح إلى بعض المعالم التربوية الأساسية، التي يحسن بالمربي تذكرها، والعمل بما يستطيعه منها:

 

المَعْلَمُ الأول: تحرِّي صلاح الولد، والأخذ بأسباب ذلك قبل وجوده، فيُشرع للوالدين عند الجماع أن يدعوا بما ورد في السنة: «بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا»([4]).فإذا دعوا بذلك لم يضره الشيطان، كما صح بذلك الخبر.

 

المَعْلَمُ الثاني: بعد وضع المولود، استحب أهل العلم أن يؤذن في أذنه اليمنى ويُقام في أذنه اليسرى، كما جاءت بذلك الآثار، والحكمة من ذلك -والله أعلم- أن يكون أول ما يسمع عند خروجه إلى الدنيا: كلمة التوحيد وتعظيم الله سبحانه وتعالى.

 

المعلم الثالث: -وهو من المعالم المهمة في التربية-: أن يحرص الوالدان منذ نعومة أظفار أبنائهما وبناتهما على تربيتهما، فلا يتركانهما إلى الكبر، وعليه فيبدأ الوالد بمشاركة أبنائه، والوالدة بمشاركة بناتها، في لعبهم واهتماماتهم، وأن لا يحتقروا اهتماماتهم ورغباتهم ولو كانوا صغارًا، فبذلك -أعني بمشاركتهم- يبدأ نمو شخصياتهم النمو الطبيعي المراد، وتبدأ قدراتهم ومواهبهم وإمكاناتهم بالظهور والبروز، والأب الحكيم هو الذي يحاول اكتشاف هذه المواهب عند أبنائه وبناته لكي ينميها ويرشدها ويوجهها نحو الخير والصلاح.

 

ومما ورد في ملاعبة الصغار: ما رواه ابن حبان رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه»(

المَعْلَمُ الرابع: عند بلوغ الصبي سن السابعة، وهذه مرحلة من أهم المراحل التي اهتم الإسلام بها اهتمامًا خاصًا؛ إذْ جعلها مرحلة بداية تمرين الصغار على الطاعات العملية، فقد روى أبو داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»(

 

 

أخي المسلم!

ومن المعالم المهمة في التربية: أن يكون الأبوان قدوة حسنة لأبنائهما وبناتهما؛ قدوة في العبادة والسلوك والتعامل، داخل المنزل وخارجه، فالصغير يرى في أبويه المثال الذي يجب أن يحتذى، وعليه فليحذر الأبوان من أن يظهرا أمام أولادهما بأي مظهر مشين أو سلوك خاطئ؛ كالتأخر عن الصلاة، أو التدخين، أو التلفظ بألفاظ غير لائقة، ونحو ذلك.

 

ومن المعالم أيضًا: أن يغرس في نفوس الصغار والكبار الارتباط بالله سبحانه وتعالى، والإيمان به جل وعلا، وتقوية الرابطة بينهم وبينه عز وجل، واستشعارهم عظمة الله تعالى وقدرته، كل بحسب سنه ومستواه.

 

ومما يساعد على ذلك: تمرينهم على العبادات منذ الصغر، وتنمية أخلاقهم وسلوكهم وتعاملهم مع الناس بما ينبغي من السلوك الحسن والخلق الحميد.

 

ومن المعالم التربوية المهمة: مشاركة الوالدين لأولادهما في كثير من أمورهما، وبخاصة بعد مرحلة دخول المدرسة، ويتأكد ذلك في المرحلة المتوسطة والثانوية، وذلك بتشجيع أولادهم على ما هو مفيد وحسن، وليطلعا على أحوال أبنائهما وبناتهما، ثم يوجهوهم ويرشدوهم إلى ما يصلح حالهم ويقوِّم سلوكهم.

 

ومن المعالم التربوية التي يجب أن ينشأ عليها الأبناء والبنات: حفظ كتاب الله تعالى منذ الصغر، فهو عاصم -بإذن الله تعالى- من أن يتسلل الشيطان إلى قلوبهم، وحاجز منيع من نفاذه إلى صدورهم، فلا يستطيع أن يغويهم أو يوسوس لهم بأي أمر مشين.

 

ومن المعالم التربوية وبخاصة للكبار من الأبناء والبنات : إشعارهم بأهميتهم، وأنهم أصبحوا محلًا للاعتماد عليهم، فَيُعطَون الثقة فيما يجيدونه.

 

ومما يساعد على ذلك: إهداء الهدايا المناسبة، وتكليفهم بأعمال يعرفون أهميتها، وإن كانوا في سفر ونحوه: يُهاتَفون للاطمئنان على أحوالهم، وعمل المناسبات التي يدعى لها الأقارب والأصدقاء إذا دعا داعٍ لذلك؛ كنجاح وتفوق، وقدوم من سفر، وترقية في وظيفة، ونحو ذلك.

 

هذه -أخي المسلم- جملة من المعالم التربوية التي يحسن بالمربي من والد وغيره أن يتذكرها ويتعامل بها، فالثمرة راجعة إليه بإذن الله، ولعلِّي أختم هذا الدرس بما يساعد على التعامل مع هذه المعالم، ومن ذلك:

 

اختيار الأصدقاء الصالحين للأولاد منذ الصغر، فالصديق يتأثّر بصديقه سلبًا وإيجابًا، وكذا إيجاد مكتبة في البيت فيها الكتب النافعة التي تناسب مستويات من في البيت، وكذا عمارة البيت بطاعة الله عز وجل من الذكر والصلاة وقراءة القرآن وغيرها.

 

أسأل الله تعالى أن يصلح لنا أنفسنا وأولادنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا، وأن يصلح ولاة أمورنا، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

 

([2]) رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن (893)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل (1829).

([1]) رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن (893)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل (1829).

([1]) رواه ابن حبان في صحيحه في كتاب الحظر والإباحة، ذكر إباحة ملاعبة المرء ولده وولد ولده (5596)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

([4]) رواه ابن حبان في صحيحه في كتاب الحظر والإباحة، ذكر إباحة ملاعبة المرء ولده وولد ولده (5596)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

([5]) رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب متى يُؤمر الغلام بالصلاة؟ (495).



بحث عن بحث