حقوق الأولاد(1)

 

الحمد لله نعمه لا تُعدّ وإحسانه لا يُحدّ، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، إليه المستند وعليه المعتمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، القدوة في التربية والتعليم والخُلُق الأمجد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

 

 

أما بعد:

معشر المسلمين الكرام! إن الله تعالى قد أنعم علينا بنعم كثيرة، وآلاء جسيمة، لا يستطيع أن يعدها عاد، أو يحصيها أحد، وإن من أعظم النعم والآلاء: نعمة البيوت والسكن، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا...﴾ [النحل: 80]. وفي هذه النعمة العظيمة نِعَمٌ كثيرة تندرج تحتها وتتصل بها؛ ففي ظلها تلتقي النفوس على المودة والرحمة، وتعيش هذه الزهور في ظلال الأبوة وحنان الأمومة، وفي البيوت تنشأ ناشئة صالحة حقة، وفي البيوت تتخرج الأجيال الصالحة من علماء وأدباء، ومفكرين ومصلحين، وموجهين ومرشدين، وأطباء ومهندسين، ومتخصصين في شتى المجالات النافعة.

 

 

أخي المسلم!

هذه الناشئة أمرها عظيم، وشأنها جليل، وحقها كبير، فهي نعمة من النعم التي نوه الباري تعالى بذكرها في كتابه العظيم، إن صلحت كان من ورائها خير كثير، وإن كانت الأخرى كانت فتنة ووبالًا وخسارًا على البيت وأهله، وعلى المجتمع بأسره، قال سبحانه وتعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا[الكهف: 46].

 

ولكي تثمر هذه النعمة ثمرتها اليانعة فقد جعل الإسلام لها حقوقًا واجبة على الوالدين -بالدرجة الأولى- ليقوموا بها، ومن هذه الحقوق:

 

أولًا: اختيار الأم، واختيار الأب، فقد حث الإسلام كلًا من الرجل والمرأة على الاختيار الحسن لمن تشاركه -أو يشاركها- الحياة، هذا الاختيار أولى مواصفاته: الدين والخلق؛ لما لهذه المواصفات من أثر على الذرية سلبًا وإيجابًا، ولما لها من تأثير حسن أو سيئ، فمن المعلوم أن المولود يولد على الفطرة فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه، كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر([2]).

 

وعن أبي هريرة ا: «أن زينب كان اسمها: برّة، فقيل: تزكي نفسها، فسمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم: زينب»([4])، كما حذَّر الآباء من جحدان أبنائهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة»([6])، وقد عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 

ومن حكمتها - والله أعلم-: أن فيها شكرًا لله سبحانه وتعالى على ما أنعم به من الولد.

 

خامسًا: الرضاعة، فهي واجبة على الأم، قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 233].

 

سادسًا: الحضانة، والمراد بها: القيام بتربية الصغير ورعاية شؤونه وتدبير أموره، من المطعم والمشرب والملبس وغرها، فلا شك أن الطفل في حال الصغر يحتاج إلى من يقوم بشؤونه ويرعاه حق الرعاية؛ لعجزه عن القيام بذلك بنفسه، والإِسلام جعل من حقوقه على أبويه: حضانته، وعند اختلافهما تكون حضانته عند الأصلح منهما.

 

سابعًا: النفقة عليهم ما داموا قاصرين؛ لصغرهم أو عجزهم، قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وإلا فالأصل أن الإنسان ينفق على نفسه، وتجب نفقته في ماله، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، إلا الزوجة فنفقتها على زوجها؛ للقيام بحقوق زوجها، كما سبق بيانه في دروس سابقة.

 

ثامنًا: ومن أهم حقوق الأولاد: تربيتهم، وتنشئتهم على العقيدة السليمة، والأعمال الصالحة، والخلق الحسن، وهذا ما سوف نفصله في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

أيها المسلمون الكرام! لنحاسب أنفسنا في حقوق أولادنا، فإن ثمرة القيام بهذه الحقوق يانعة، ونتائجها عظيمة، ترجع للولد نفسه وللوالد والمجتمع بأسره، فالله الله في القيام بهذه الحقوق.

 

 

أسأل الله تعالى أن يصلح لنا أنفسنا وأسرنا وأولادنا، وأن يوفقهم إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة، وأن يجعلهم نافعين لأنفسهم ووالديهم ومجتمعهم ووطنهم وأمتهم، إنّه سميع مجيب، وهو المستعان.

 

وللحديث بقية في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


([2]) رواه البخاري في كتاب الأدب، باب اسم الحزن (6190).

([4]) رواه البخاري في كتاب الفرائض، باب من ادّعى إلىغير أبيه (6766)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم (115).

([6]) رواه أحمد (6/381)، وأبو داود في كتاب الأضاحي، باب في العقيقة (2835).



بحث عن بحث