حقوق الزوجين (3)

 

الحمد لله معزِّ من أطاعه ومذلّ من عصاه، أسبغ علينا نعمه المتوالية وآلاءه المتتالية، أحمده سبحانه وأشكره، من توكل عليه كفاه وآواه، لا إله غيره ولا رب سواه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، أكرمه الله تعالى بالرسالة واصطفاه، وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته واهتدى بهداه.

 

 

أما بعد:

فقد تحدّثنا في درسين سابقين عن شيء من الحقوق الزوجية، وذكرنا أن بين الزوجين حقوقًا مشتركة، وأن لكل منهما حقوقًا على الآخر، وعرضنا فيما سبق الحقوق المشتركة بينهما.

 

وحديثنا في هذا الدرس يتعلق بحقوق كلٍّ منهما على الآخر، مبتدئين بحقوق الزوجة على زوجها، وهي كما يلي:

 

أولًا: حقها في اختيار زوجها وشريك حياتها ووالد أبنائها وبناتها، جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قيل: وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت»([2]).

 

إلا إذا كانت البنت صغيرة لا تعرف مصلحة نفسها، فذكر أهل العلم أنه لا ينظر إلى رأيها. وقد فَرّق بين البكر والثيب؛ فالثيب لابد أن تنطق بموافقتها، أما البكر فيكفي أن تسكت، أو أن يظهر منها ما يدل على ذلك؛ لأن البكر جُبلت على الحياء فيكفي أن تصمت.

ثانيًا: المهر، وهو حق لها وليس لأحد حق فيه مهما كانت صلته وقرابته، يقول الله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا[النساء: 4]، وقال سبحانه: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: 24]، وجاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد الصحابة: «التمس ولو خاتمًا من حديد»(

([1])

ومما يذكر هنا وينبه إليه: ما تمادى فيه بعض الناس من رفع المهور والتغالي فيها، واشتراط أمورٍ فيها، مما يكون له أكبر الأثر السيئ على الزوج وزوجته، بينما السنة تخفيف المهر، وأن يكون بما يصلح لمثلها، روى الإمام أحمد والبيهقي والحاكم وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة»([4]).

 

والنفقة تشمل:

الطعام والشراب، والسكنى واللباس، كل حسب استطاعته المادِّية وما يتناسب مع حاله.

 

رابعًا: الشفقة عليها والرحمة بها، وعدم ظلمها، والصبر عليها، وعدم ضربها، وكف أذاه عنها، وأخذها بالرفق واللين، وليعلم الزوج أن المرأة مهما بلغت فإنه لا يمكن أن تستقيم استقامة تامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خلقن من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا»(

([2]) رواه البخاري في كتاب النكاح، باب تزويج المُعسِر (5087)، ومسلم في كتاب النكاح، باب الصداق وكونه تعليم قرآن (1425).

 رواه البخاري في كتاب النكاح، باب تزويج المُعسِر (5087)، ومسلم في كتاب النكاح، باب الصداق وكونه تعليم قرآن (1425).

([4]) رواه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218).

([5]) رواه البخاري في كتاب النكاح، باب الوصية بالنساء (5185) ، ومسلم في كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (1468).



بحث عن بحث