حقوق الزوجين (2)

 

الحمد لله الذي شرع الزواج لمقاصد جليلة، وغايات وحِكَم نبيلة، أحمده سبحانه على نعمه وآلائه الجزيلة، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وكلّ من سار على منهاجه.

 

 

أما بعد:

ففي الدرس السابق بدأنا الحديث عن حق من أعظم الحقوق، ذلكم هو الحقوق الزوجية، وعرفنا أن هناك حقوقًا مشتركة بين الزوجين، وحقوقًا خاصة لكل منهما، وذكرنا بعض الحقوق المشتركة، وفصّلنا القول في أهمها وهو العشرة بالمعروف.

 

وفي هذا الدرس نواصل الحديث عن بقية الحقوق المشتركة، والحقوق الخاصة لكل منهما.

 

 

فمن الحقوق المشتركة بينهما:

حق الاستمتاع، وما يتبع ذلك من التجمل والتطيب، وإزالة الروائح الكريهة، والعناية باللباس وزينته، فالمشروع لكلا الزوجين مراعاة ذلك، والاهتمام به؛ فهو مما يحبب المرأة إلى زوجها، ويحبب الرجل إلى زوجته، وفيه إعفاف لكل منهما عن التطلع إلى ما حرّم الله تعالى، وفيه غض البصر عمّا لا يجوز النظر إليه، يقول ابن عباس ب: «إنِّي لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي».

 

ومن الحقوق المشتركة بينهما: المحافظة على الأسرار الزوجية، فمن المعلوم أنه لا يخلو بيت من مشكلة أو مشكلات، ولا يخلو منزل من بعض المنغصات، فحياة الإنسان فيها شيء من ذلك، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد: 4]. وقلما تجد عشرة أو شراكة صافية أو خالية من جميع ما ينغص عليها، فكل علاقة في الوجود كذلك، ولكن ميزة علاقة المسلم معغيره - وبخاصة علاقة الزوجين- أن الأسرار محفوظة، والعيوب مستورة، والمشكلات محلولة - بإذن الله تعالى-، فإذا وقعت مشكلة سارع الزوجان إلى النظر فيها وحلها، وعدم إفشائها، حتى بين الأولاد والبنات.

 

فالزوجان الحكيمان هما اللذان يتعاونان على مناقشة ما يقع بينهما من اختلاف في وجهات النظر، وحل ما يكون بينهما من مشكلات، ويتفاهمان في أمورهما الزوجية التفاهم الحسن، ويتعاونان على إخفاء تلك الأسرار والمسائل، فخروج تلك الخلافات والأسرار له تأثيره السلبي عليهما وعلى أولادهما؛ إذْ إنه يؤثر على تكوين شخصياتهم، فلا يثقون بوالديهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يحترمون تصرفاتهم، وعليه فلا يجوز البوح بتلك التصرفات والمشكلات ولا إظهارها، فبقاؤها في حيز ضيق بينهما عامل من عوامل سعادة البيت وصيانته من كل انحراف وشر، واستقراره وطمأنينته بإذن الله تعالى.

 

روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشَرِّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها»([2]).

فمن مجانبة الصواب أن يعمد الزوجان أو أحدهما إلى إظهار الخلافات العائلية بين الأولاد والأطفال، فيترافعان الأصوات، ويتبادلان التهم على مرأى ومسمع من أبنائهم وبناتهم، وما علم أولئك -هداهم الله- أن هذا الأمر من أشد الأمور على الأطفال؛ إذْ إنه يُذيب شخصيتهم، وتنشأ المشكلات معهم، ويفقدوا العاطفة تجاههم؛ بل يكون الوالدان قدوة سيئة لهم فيكرهونهم ويبغضونهم، فلا يسمعوا توجيههم وإرشادهم ونصائحهم.

ويشتد الأمر خطورة إذا أطلق كل من الزوجين أو أحدهما لسانه بين الزملاء والأصدقاء والأقارب في بيان عيوب الآخر، وما عمله من السلبيات والسيئات تجاهه، فينتشر ما وقع بينهما، ويفرح به أولئك الذين ندبوا أنفسهم للإفساد بين الناس، فيصاغ ما حدث بصياغة تختلف عن حقيقته، ومن ثمّ تكون النتيجة السيئة على هذين الزوجين بالتشاحن والتباغض، أو الفراق والطلاق، ويكفي أن يخلّف جوًّا من التعكير النفسي الذي يمتد أثره عليهما وعلى أولادهما.

ولنا -أخي المسلم- أن نكرر القول: إن من الحقوق المشتركة حفظ أسرار البيت وصيانتها واحترامها، وعدم إطلاع من ليس له شأن فيه؛ لتبقى البيوت محترمة، والأسر مصونة، والشيطان بعيدًا عنها لا يستطيع أن يتسلل إليها أو يفسدها.

ومن الحقوق المشتركة بين الزوجين: التناصح بينهما في كل ما فيه خيرهما وسعادتهما في الدنيا والآخرة، فدين الإسلام دين الخير والحق والفضيلة، ودين يسعى بأهله إلى أن يسعدوا في دينهم ودنياهم وآخرتهم، ودين يحث على التعاون على البر والتقوى، ودين يرشد أهله إلى أن يتمتعوا بالخيرية المطلقة التي جعلها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، هذا هو دين الإسلام، وهذه صفة المسلم الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فكيف إذا كان الآخر هو الزوج أو الزوجة! فيجب أن تقوم العلاقة بينهما على أساس من هذه المحبة والمودة التي تُورث حب النصيحة في الحق والخير والإرشاد إلى ما فيه الصلاح.

ومن صور التعاون على ذلك: التعاون على طاعة الله وما يقرب إلى مرضاته، روى الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله رجلًا قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء»(

فهذه صورة من صور التناصح والتعاون، الذي يجر هذا البيت إلى السعادة والراحة، والأجر والثواب العظيم عند الله تعالى.

 

ومن صور التناصح: التعاون بينهما على تربية الأولاد وتنشئتهم النشأة الصالحة الحقة، فهما القدوة لمن في البيت، فلا يسمع الأبناء والبنات إلا قولًا طيبًا، ولا يرون إلا عملًا صالحًا، ولا ينظرون إلا إلى سلوك حسن.

 

ومن صور التعاون والتناصح: تشجيع كل منهما للآخر على ما فيه خير وهدى، كتشجيع الزوجة زوجها على بر والديه والقيام بحقوقهما وعدم عقوقهما، ورعاية شؤونهما، وتفقد أحوالهما، والاهتمام بهما، وعدم الغفلة عنهما، والسعي في مصالحهما، وكذا صلة أرحامه وأقاربه، وحثه على ذلك، وكذا تشجيعه على القيام بوظيفته ومهنته التي يقوم بها، وتهيئة السبل والوسائل لإنجاحه في عمله ووظيفته، فإن نجاحه في ذلك نجاح لها، وأجر وخير في الدنيا والآخرة، ومردود ذلك لها ولأولادها.

 

ومن صور التناصح والتعاون بينهما: إرشاد الزوج لزوجته في كل ما هو خير لها، وعدم الوقوف أمام رغباتها إذا لم تخالف شرع الله عز وجل، وتشجيعها على صلة والديها وأقاربها بالمعروف.

 

هذه بعض الصور التي تدل على ضرورة التناصح والتعاون، والبيت الذي يسوده هذا الجو بيت سعيد - بإذن الله تعالى- في دنياه وآخرته.

 

أخي المسلم الكريم! إنَّ صلاح الأسرة طريق لأمان المجتمع كله، وهيهات أن يصلح مجتمع وهت فيه حبال الأسرة، وانقطعت أو ضعفت، وإن الشيطان حين يفلح في فك روابط الأسرة فهو لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يحدث شرًّا محدودًا، وإنما يوقع المجتمع بأسره في أذى مستعر وشر مستطير.

 

فاعملوا -وفقني الله وإياكم- على تطبيق شرع الله، واقتفاء هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فذلكم هو السبيل إلى تماسك الأسرة، وقوة رابطتها، وأغلقوا المنافذ عن الشيطان تفلحوا في دنياكم وأُخراكم.

 

أسأل الله تعالى أن يعيذنا من شياطين الإنس والجن، وأن يعيننا على القيام بالحقوق الواجبة علينا، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا، وأن يصلح ولاة أمرنا ويوفقهم إلى ما فيه الخير، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

 

وللحديث بقية في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


([1]) رواه أحمد (2/250 ، 436)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب قيام الليل (1308).

([2]) رواه أحمد (2/250 ، 436)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب قيام الليل (1308).

 



بحث عن بحث