العشرة بين الزوجين بالمعروف

 

أخي المسلم الكريم! هناك حقوق مشتركة يشترك فيها كل من الزوج والزوجة، وهناك حقوق لكل منهما على الآخر، فأما الحقوق المشتركة على كلا الزوجين:

 

فأوَّلُها وأهمّها: العشرة بالمعروف، والعشرة: ما يكون بين الزوجين من الأُلفة والوفاق، والاجتماع، وحسن المعاملة، والمحبة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]، قال الحافظ ابن كثير :: «أي: طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله».

 

وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228] قال القرطبي :: «أي: لهن من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن»، وقال ابن عباس ب: «أي لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن من أزواجهن».

 

وقال تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة: 229]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ[البقرة: 231].

 

والمعروف: كلمة جامعة لمعاني الخير والأدب وحسن المعاملة.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: «واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنّهن خلقن من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج»([2])وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»(

 

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسع عليهن بالنفقة، ويضاحك نساءه، ويساعدهن في أمور المنزل، فسيرته صلى الله عليه وسلم تطبيق عملي لتشريع الإسلام للعلاقة الوطيدة بين الزوج وزوجته، الذي بيَّنه ربنا سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً[الروم: 21].

 

وعليه: فليحرص كل من الزوج والزوجة على العشرة بالمعروف، وإحيائها، وعمل ما يصلحها، والتغاضي عما يخدشها أو يفسدها.

 

 

وإن من أهم مقومات العشرة الطيبة:

حسن الاختيار لكل من الزوج والزوجة؛ لأن كلًّا منهما سيكون شريكًا للآخر، وحسن الاختيار يتم بالنظر في المواصفات الشرعية التي حددها الإسلام في الرجل والمرأة، وهي: الدِّين، والخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»([4]).

 

وقال صلى الله عليه وسلم في شأن الرجل: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»(

 

ومن عوامل العشرة بالمعروف: إشاعة المحبة والرحمة في جو الأسرة، وأن تكون هي الشعار المرفوع للعلاقة بين أعضاء الأسرة بأكملهم، ابتداء بالزوجين.

 

ومن عوامل العشرة بالمعروف: قيام كل من الزوجين بالحقوق الواجبة عليه دون نقص أو خلل، فإذا ما اجتهد كل منهما بتنفيذ الواجبات عليه كان هذا عاملًا للعشرة الحسنة في هذا الجو الأسري الكريم.

 

ومنها أيضًا: صلاح كل منهما، وقيامه بالواجبات الشرعية تجاه ربه سبحانه وتعالى، فإذا ما قويت العلاقة بين العبد وربه أضفت عليه جوًّا من الراحة والهدوء ووزن الأمور بميزانها الشرعي الصحيح.

 

ومنها أيضًا: تطهير البيت من المنكرات والأخطاء والمنغصات، التي تكون عامل تشويش، وسببًا من أسباب تعكير الجو العائلي، الذي يفسد على الأسرة بأكملها ما تعيشه من أمن وراحة وهدوء واستقرار؛ لأن تلك المنكرات والأخطاء سببٌ لولوج الشيطان إلى البيت، وما دخل الشيطان مكانًا أو إنسانًا وتمكّن منه إلا أفسد عليه دينه ودنياه.

 

أيها المسلمون الكرام! إن استشعار كُلٍّ من الزوجين لهذه الحقوق يضفي على الأسرة جوًّا كريمًا، يتذكر فيه كل عضو في الأسرة الحقوق الواجبة عليه، فيقوم بها ابتغاء مرضاة الله.

 

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص والأَخلاق الحميدة، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

 

وللحديث بقية في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


([2]) رواه الترمذي في كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (3895).

([1]) رواه الترمذي في كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (3895).

([1]) رواه الترمذي في كتاب النكاح، باب رقم (3) (1084)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب الأكفاء (1967).

([4]) رواه الترمذي في كتاب النكاح، باب رقم (3) (1084)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب الأكفاء (1967).



بحث عن بحث