حقوق الزوجين (1)

 

الحمد لله الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء خبرًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أعلى الناس منزلة وأعظمهم قدرًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

 

أما بعد:

أيها المسلمون الكرام! تحدّثنا فيما مضى من دروس عن عدد من الحقوق الواجبة والمهمة، وفي هذا الدرس نتحدّث عن نوع آخر مهم من الحقوق، ألا وهو: (حقوق الزوجين)، فالأسرة المسلمة بدورها ينبغي أن تتذكر الحقوق الواجبة على كل عضو فيها، فهي لبنات متماسكة بُنيت على أساس قوي، وقاعدة متينة.

 

وسنتحدّث في هذا الدرس عن جذري الأسرة ونواتها، وهما: الزوج والزوجة، اللذان نشأت علاقتهما -في دين الله- على أساس من المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21].

 

 

أخي المسلم!

إن شأن الأسرة في الإسلام عظيم، وأمرها كبير، اعتنى بها الإسلام، وحدد العلاقة بين الرجل والمرأة، وبيّن وظيفة كل منهما، وفصّل الحقوق المشتركة بينهما، والواجبة على كل منهما، فالأسرة محل السكن والقرار، وهدوء النفس والبال، والراحة والاستقرار.

 

 

والأسرة: مأوى الفرد وسكنه، والطهر، وكريم العيش والسِّتر، وفي ظل الأسرة تنشأ الطفولةُ، وتترعرع الناشئة، وتمتد وشائج القربى، وتتقوّى أواصر التكافل، وفي جو الأسرة تلتقي النفوسُ بالنفوس، وتتعانق القلوبُ بالقلوب، وفي ظل الأسرة تنمو الخصال الكريمة، وينشأ الرجال الذين يؤتمنون على أعظم الأمانات، ويربى النساء اللاتي يقمن على أعرق الأصول، ويربين الأجيال على كريم الشمائل والخصال، ففي محيط الأسرة يتخرج الأبناء والبنات، وتتعلم الذرية، وتنمو الأخلاق والخصال الحميدة، وفي مدرسة الأسرة يتخرج العلماء والأفذاذ والمصلحون، الذين ينفعون أنفسهم ووالديهم وأمَّتهم.

 

هذا عامل من عوامل اهتمام الإسلام بالحقوق الزوجية.

 

وعامل ثانٍ: أن العلاقة بين الزوج وزوجته علاقة مستمرة وطيدة، وليست علاقة مؤقتة أو متقطعة تشوبها المصالح المادية أو الدنيوية، أو سريعةَ الزوال؛ بل هي علاقةٌ مستمرة حتى بعد الممات.

 

وعامل ثالث: أن الأسرة نواةُ المجتمع، ونواة الأسرة الزوجان، فإذا كانا عاملي صلاح وتقى؛ كان المجتمع كذلك بإذن الله تعالى، فكان مجتمعًا صالحًا قويًّا متماسكًا، له شخصيته المتميزة، وصفاته المحمودة، يحمي نفسه ويهابه أعداؤه، ولا تتسلل إليه دعاوى المبطلين ودسائس المضلين.

 

وعامل رابع مهم في تفصيل تلك الحقوق: أن نوعية العلاقة بين الزوجين تختلف عنغيرها؛ إذْ إنَّ كل واحد منهما يعرف خصوصيات الآخر وأسراره، إذا ما اختلّت العلاقة بينهما نشر ما بينهما من مشكلات وخلافات، فكان ذلك سببًا في تفكك الأسرة وانحلال روابطها المتينة، ومن ثم يتسلل إليها كل سوء وشر، وتتعدّى عدوى هذا السوء إلى المجتمع فيتأثّر به. وأسرار الأسرة مصونة محفوظة، إذا قام كل من الزوجين بما عليه من حقوق وواجبات.

 

لهذه الأمور وغيرها نظم الإسلام الأسرة أيما تنظيم، وفصّل الحقوق والواجبات؛ لتكونَ كُلُّ أسرةٍ مسلمةٍ صالحةً مستقيمةً -بإذن الله- تخرج الصالحين المستقيمين.

 



بحث عن بحث