البر بالوالدين والنصح لهما

 

 

أخي المسلم!

إن من أعظم حقوق الوالدين: البرَّ بهما؛ وذلك ببذل المعروف والإحسان إليهما بالقول والفعل والمال.

 

فالإحسان بالقول: يتلخّص في مخاطبتهما باللين واللطف، مستصحبًا كل لفظ طيب يدل على التكريم والاحترام.

 

والإحسان بالفعل: بأن تخدمهما ببدنك؛ من قضاء حوائجهما، والمساعدة لهما في شؤونهما، وتيسير أمورهما، وطاعتهما في غير معصية الله جل وعلا.

 

والإحسانُ بالمال: بأن تبذل لهما من مالك كل ما يحتاجان إليه، طيبةً به نفسك، منشرحًا به صدرك، غير مُتبع له بمنةٍ ولا أذى؛ بل تبذله وأنت ترى أن المنّة لهما في ذلك، في قبوله والانتفاع به، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا[الإسراء: 23 25]، وروى الشيخان رحمهما الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أيّ؟ قال: «ثم بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»([ii]).

 

فاجمع -رحمك الله- بين صلاحك، وإجراء الصدقة لهما، والدعاء لهما، فهو من أنفع ما يقدمه المرء لنفسه ولوالديه، وهو من أعظم ما يجازي به الولدُ والديه على ما قدما له من الإحسان والتربية والرعاية والإنفاق والتنشئة الصالحة، فلقد تكفل الله سبحانه وتعالى بإجابة دعاء الداع: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[المؤمن: 60]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة: 186]، فلا تبخل بما أنت مستطيعه، ولا تمتنع عما أنت قادر عليه، فرُب دعوة صالحة أطلقتها في ليل أو نهار تكون بها سعادتك وسعادة والديك وأولادك، فالله سبحانه وتعالى كريم؛ بل هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، يفرح بدعاء الداعين، وبنداء الطالبين، وباستغفار المستغفرين، ويحب إلحاح عباده السائلين. فالمغبون من حُرِمَ السؤال، والخاسر من ترك الدعاء، فتعرَّض -أخي المسلم- لنفحات المولى عز وجل، لاسيما في الأوقات الفاضلة، طالبًا منه خيري الدنيا والآخرة.

 

جعلني الله وإياكم من الموفقين للخير أينما كنّا، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، وأن يغفر لنا ولوالدينا، وأن يتجاوز عنهم، ويرفع درجاتهم، ويعلي منازلهم، وأن يجزيهم خير ما جزى به والدًا عن ولده، ويشفي مريضهم، ويرحم ميتهم، إنّه سميع مجيب، وهو المستعان.

 

وللحديث بقية في الدرس التالي إن شاء الله تعالى.



([ii]) رواه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1631).



بحث عن بحث