حق الوالدين(1)

 

الحمد لله الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا، وأوجب حق الوالدين وبرهما، وأعظم في ذلك الأجر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أعظم الناس قدرًا وأرفعهم ذكرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بالحق وكانوا به أحرى، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

 

أما بعد:

فقد تحدثنا في الدروس السابقة عن أهم وأَوْلى حقين، وهما: حق الله تعالى، ثم حق رسوله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الدرس سنتحدّث -بإذن الله تعالى- عن حق عظيم وكبير، ألا وهو حق الوالدين.

 

 

أخي المسلم الكريم!

إن من أعظم الناس حقوقًا عليك من كان سببًا في وجودك في هذه الحياة، بعد تقدير الله تعالى، وهما الولدان (الأب والأم)، ولذا ذكر الله سبحانه وتعالى حقهما بعد حقه في آيات كثيرة من كتابه العزيز، ولا غرابة في ذلك؛ لأن من تأمَّل حال الأم والأب عرف عظيم هذا الحقّ، فالأم قد تحملت آلام الحمل والولادة والرضاع، وسهر الليل وتعب النهار.. تقوم بحملها مثقلة، وتقعد به مثقلة، تضيق في أول الحمل بالطعام والشراب أحشاؤها، وتضعف عند الوضع أعضاؤها، وتجوع ليشبع وليدها، وتسهر لينام طفلها، وتتعب ليستريح فلذة كبدها، وتترك كثيرًا مما تشتهيه خشية أن يتغيّر لبنها فيتأثّر رضيعها.. يرقص قلبها فرحًا إذا ضحك، وترى الحياة كلها نورًا وجمالًا وهي تراه يلعب مع الصبيان، أو يذهب إلى المدرسة، وتحزن حزنًا شديدًا إذا حزن أو اهتم، أو أصيب بوعكة، وهكذا تعيش له ومعه وهي تنتظر الأيام الجميلة في حياته حين ينجح ويكتسب ويتزوج ويُولد له.

 

وحال الأب معلومة؛ تراه يكدّ ويكدح، ويتعب ويفني جهده ووقته؛ ليحصّل لقمة العيش لأولاده، يتابع نموهم ويقوم على تربيتهم، وينتظر الساعة التي ينظر فيها إليهم رجالًا كبارًا تقر عينه بهم.

 

ومهما وصف الواصفون حال الأبوين فلن يستطيعوا تصوير حالهما فيما يستحقانه من وصف؛ لعظم حقهما، وسموِّ مشاعرهما، وما أحسن قول القائل: «إحسان الوالدين عظيم، وفضلهما سابق، تأملوا حال الصغر، وتذكروا ضعف الطفولة، حملتك أمك في أحشائها تسعة أشهر، وهنًا على وهن، حملتك كرهًا، ووضعتك كرهًا، ولا يزيدها نموك إلا ثقلًا وضعفًا، وعند الوضع رأت الموت بعينيها، ولكن لما بصرت بك إلى جانبها سرعان ما نسيت كل آلامها، وعلقت فيك جميع آمالها، رأت فيك بهجة الحياة وزينتها، ثم شُغِلت بخدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، طعامك كدُّها، وبيتك حِجْرُها، ومركبك يداها وصدرها وظهرها، تحيطك وترعاك، تجوع لتشبع أنت، وتسهر لتنام أنت، فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة، إذا غابت عنك دعوتها، وإذا أعرضت ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثت بها، تحسب كل الخير عندها، وتظن أن الشر لا يصل إليك إذا ضمتك إلى صدرها أو لحظتك بعينها.

 

أما أبوك فأنت له مجبنة مبخلة، يكد ويسعى، ويدفع عنك صنوف الأذى، ينتقل في الأسفار، يجوب الفيافي والقفار، ويتحمل الأخطار، بحثًا عن لقمة العيش، ينفق عليك، ويصلحك ويربيك، إذا دخلت عليه هش، وإذا أقبلت إليه بش، وإذا خرج تعلقت به، وإذا حضر احتضنت حِجْرَه وصدره.

هذان هما والداك، وتلك هي طفولتك وصباك، فلماذا التنكر للجميل، وعلام الفظاظة والغلظة، وكأنك أنت المنعم المتفضل؟!» انتهى كلامه، وفقه الله وسدده(

 

 

أخي المسلم!

هذا تقريب موجز لحال الوالدين تجاه أولادهما، بنين وبنات، ودين الإسلام دين الوفاء ورد الجميل والمكافأة عليه، مع الاعتذار عن التقصير وعدم الإيفاء بالحق، ولذا ذكر الله سبحانه وتعالى حقهما بعد حقه جل وعلا؛ لعظمه وكبره، قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ [الإسراء: 23]، وقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[النساء: 36]، وقال جل ذكره: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان: 14].


([i]) نقلًا عن د. صالح بن حميد، توجيهات.



بحث عن بحث