حق الله تعالى (4)

التحذير من الشرك

 

 

الحمد لله الملك الحق المبين، أحمده سبحانه وأشكره، تفرد بالربوبية والألوهية على خلقه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الله لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدِّين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالحنيفية ملة إبراهيم، فصدع بها وأوضحها، وقوّض خيام الملاحدة والمشركين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

 

 

أما بعد:

فقد تحدّثنا في الدروس السابقة عن حق الله تعالى، المتمثل في توحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

 

وقد أوجزنا ما يتعلق بهذا الحق العظيم، وأوضحنا -إجمالًا- ما يجب على العبد تجاه ربه سبحانه وتعالى، ولأن الأشياء تتميز بضدها، والشرُّ يُعرف ليُتوقى، فسنتحدّث في هذا الدرس عن نقيض التوحيد وضده، وهو الشرك بالله تعالى، إذْ لم يُذكر التوحيد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلَّا وحُذِّر من ضده (وهو الشرك) صراحة أو تضمنًا.

 

 

أخي المسلم!

إن الشرك بالله تعالى أعظم الذنوب وأكبرها وأقبحها وأجرؤها على الله تعالى، وهو ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض، وحُجُب متلاطمة لا يقر لها قرار، فهو يجعل الإنسان عبدًا للمخلوق، وبه ينقلب الحق باطلًا، والباطل حقًّا!

 

وهو نوعان: شرك أكبر يخرج صاحبه من الإسلام إلى الكفر، وهذا الشرك: أن يجعل العبدُ لله تعالى ندًّا في ربوبيته، أو في ألوهيته، أو في أسمائه وصفاته، أو في حكمه.

 

 

والشرك في الربوبية نوعان:

أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون، إذ قال: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 23]، وكشرك الملاحدة الذين لا يقرون بخالق ولا بوجود رب ولا إله.

 

النوع الثاني: شِرْكُ مَنْ جَعَل مع الله تعالى إلهًا آخر، ومنه: الاعتقاد بأن مع الله تعالى شريكًا في الخلق أو الملك أو التدبير، وهذا كشرك النصارى الذين جعلوا الله تعالى ثالث ثلاثة، ونحو ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

 

ومن الشرك: الشرك في توحيد الأسماء والصفات، وذلك مثل من يشبه الخالق بالمخلوق؛ كمن يقول: يده كيدي، وسمعه كسمعي، وبصره كبصري، وهذا شرك المُشَبِّهة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأعراف: 180]، قال ابن عباس ب: «يلحدون في أسمائه، أي: يشركون».

 

ومن الشرك: الشرك في توحيد الألوهية والعبادة، وهو الشرك الأعظم، ومعنى هذا الشرك: أن يجعل العبد لله شريكًا فيما يستحق من العبادة بجميع أنواعها، بأن يصرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله؛ كأن يدعو غير الله، أو يسأله الشفاعة، أو يرجوه كما يرجو الله، أو يحبه كما يحب الله، ويخشاه كما يخشى الله.

 

وبالجملة: فهو أن يجعل لله ندًّا يعبده كما يعبد الله، وهذا الشرك هو الذي قال الله في النهي عنه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: 18]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ[السجدة: 4]. والآيات في بيان بطلان هذا الشرك والتحذير منه كثيرة جدًّا.



بحث عن بحث