خطوات في طريق التصحيح (1-4)

ما ذكرناه من أسباب عدم الالتزام بالدين، لا بد للمسلم من الوقوف أمامها حتى يصحح سلوكه، ويبتعد عما يوصله إلى عدم الالتزام؛ وترك الاستقامة، وفيما يلي نذكر خطوات في طريق التصحيح:

1-إدراك حقيقة الحياة الدنيا: فمن عرف حقيقة هذه الحياة، وأنها فانية، وأن ما عند الله خير وأبقى، فهذا عامل كبير لعدم دخول حب الدنيا قلبه، وإنما يقتنع منها بما يكفيه لإقامة حياته، فإذا تذكر هذه الحقيقة أقبل على طاعة الله، وطلب مرضاته، وعرف أنها الغاية الكبرى من وجوده في هذه الحياة، وأن الدنيا معبر إلى الآخرة فاستعدَّ لها.

2-معرفة دينه وما يحتويه من شمولية وخير: ليعتز به ويفتخر في كل مكان وزمان، وتحت كل سماء، وفوق كل أرض، فبه يعتقد، وبه يعيش، وبه يعامل، وبه يحيا وعليه يموت.

3-إدراك مراقبة الله للعبد في كل مكان وفي كل زمان، واعتقاده الكامل أن مع العباد كراماً كاتبين يكتبون ما يفعلون، فكل عبد عن يمينه وشماله قعيدان، ويوم القيامة يوضع الكتاب ﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(1) .

فالذي يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله يراه، وأن ملائكة يكتبون كل عمل يعمله، وأن الله سيحاسبه على كل صغيرة وكبيرة؛ فلا شك أنه يُحاسِب نفسه قبل أن يُحاسَب، ويلتزم بما أمره الله، ويجتنب عما نهاه. قيل للجنيد :: «بمَ يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الناظر إليكَ أسبق من نظرك إلى المنظور إليه».

4-حاسب نفسك قبل أن تحاسب، وسل الله الحساب اليسير، واستعد حتى لا تكون ممن يحاسبه الله يوم القيامة حساباً عسيراً، ويعذبه عذاباً نكراً، والمحاسبة من أهم الأسباب التي تجعل العبد يستقيم على تعاليم الشرع، ومحاسبة النفس -كما قال ابن القيم :- نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده.

فأما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين رجحانه على تركه، قال الحسن البصري :: «رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر«

وأما النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود منة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك.

الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً له من فعله.

الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد: لِمَ فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الكهف:49]



بحث عن بحث